وأما الثاني: فلاختصاص دعوى اعتبارها بخصوص المشافه، وقد عرفت عدم اعتبارها في حق المشافه، وركونه إليها عند الشك مع التمكن من تحصيل العلم، كما هو مفروض البحث.
هذا مضافا إلى ما يرد على الأول، من عدم ارتباط إجماع العلماء بما نحن فيه، إذ ليس الغرض إثبات اعتبارها تعبدا.
اللهم إلا أن يقال: إنه مع ثبوت اتفاقهم، فهو يكشف عن جبلتهم على العمل بها، واستقرار طريقتهم العرفية عليه، نظرا إلى أن اختلاف أمذقتهم وآرائهم - غاية الاختلاف - يمنع من الاتفاق عادة، لو لا اقتضاء جبلتهم ذلك.
مضافا إلى ما يرد على الوجه الثاني في الاستدلال به على التفصيل الأول، من اقتضائه عدم اعتبار الأصل المذكور بالنسبة إلى الغائب مطلقا، وإن قصد إفهامه، نظرا إلى أن مبنى التفصيل على استناد الأصل إلى أصالة عدم الغفلة فيعتبر، وعلى استناده إلى استصحاب عدم القرينة، فلا.
وكيف كان، فالتحقيق - في المقام - التفصيل بين المشافه والغائب، باعتباره للثاني، دون الأول، عكس التفصيل الثاني، والدليل على ذلك:
أما على عدم اعتباره للأول، فيما عرفت من عدم ثبوت بناء أهل اللسان على العمل به في حال الشفاه، مع التمكن من تحصيل العلم بلا مشقة.
وأما على اعتباره للثاني فإجماع العلماء على العمل به في الخطابات الغيبية، مع التمكن من تحصيل العلم بعد الظن بعدم القرينة، بحيث لا يتوقفون عن العمل، وحمل الخطاب على حقيقته باحتمال القرينة بعد الفحص عن مظانها، فإن اتفاقهم - مع اختلاف أمذقتهم - يكشف عن استقرار طريقتهم العرفية على ذلك، وإجماع أهل اللسان، وبناء العقلاء في كل زمان على ذلك.
ولا يرد عليه ما أوردنا على اعتبار الأصل في الخطابات الشفاهية، من أن عملهم لعله لحصول العلم بعدم القرينة، لأن القطع حاصل بأن الغالب في الخطابات الغيبية التي يعملون بظواهرها عدم حصول العلم، وقيام احتمال القرينة، ولو بعد الفحص.
لا يقال: إن حاصل ما ذكرت دعوى اعتبار الأصل المذكور من جهة الانسداد، فلا يكون من الظنون الخاصة.
لأنا نقول: نحن نسلم الانسداد، لكن ليس كل ظن يكون اعتباره من جهة الانسداد ظنا مطلقا، فإن المراد بالظن المطلق في المقام ما ثبت اعتباره لأجل انسداد باب