أما فيما ذكره صاحب الكفاية من الاستشكال، فلأنه مبني على كون الترافع إلى الجائر إعانة له على الإثم، وهو ممنوع جدا، إذ ليس مجرد فعل الشخص ما له دخل في تحقق الحرام من الغير إعانة له على المحرم، بل الإعانة عرفا هو أن يفعل الشخص ما له دخل في تحقق الحرام من الغير، بقصد أن يتحقق منه ذلك المحرم. فبيع العنب ممن يعلم أنه يعمله خمرا، إن كان لأجل أن يعمله خمرا إعانة، وإلا فلا، وهكذا فالترافع إلى الجائر إذا كان لمجرد التوصل إلى الحق ليس إعانة للجائر.
وأما فيما ذكره في الرياض من تضعيف الاستشكال المذكور مع تسليم صدق الإعانة بأن أدلة حرمة الإعانة ليست بأقوى مما دل بالخصوص على حرمة التحاكم إلى قضاة الجور، فلأنه لا يخفى أن أدلة حرمة الإعانة أقوى من تلك، لكونها مطابقة لحكم العقل بقبح الإعانة على القبيح، فلا تقبل التخصيص بأدلة نفي الضرر والحرج، لأن نفيهما في المقام بالشرع لا باستقلال العقل، فإن العقل لا يأبى في المقام عن أن يجب على المدعى ترك المرافعة إلى أن يتمكن من حاكم عدل، أو يتوصل إلى حقه بطريق آخر.
وأما فيما ذكره أخيرا من أن الوجه في تخصيص الأدلة المانعة بأدلة نفي الضرر والحرج هو أن أدلة نفيهما موافقة لأصل البراءة فلأن الوجه في تقديم أدلة نفي الضرر والحرج على الأدلة المثبتة للتكاليف ليس مطابقتها للأصول، وإلا لكن اللازم فيما إذا كان مقتضى الأصل هو لزوم الخروج عن عهدة التكليف - كما إذا شك في الجزئية والشرطية للعبادة - تقديم الأدلة المثبتة للتكليف على أدلة الضرر والحرج، وكان اللازم - فيما لم يكن المقام مقتضيا للبراءة والاحتياط - أن يحكم بالتوقف أو التخيير، مع أن التالي بقسميه باطل اتفاقا على الظاهر، حيث إنا لم نعثر على من قدم الأدلة المثبتة