وأما ثانيا، فلأنه لو كان مراد الإمام عليه السلام من الفقرة هو وجوب الشهادة بمضمون الاستصحاب، أعني تحقق الشئ في السابق وعدم العلم بمزيله في اللاحق لم يكن معنى لقول السائل بعد سماع هذا الجواب:
" إن ابن أبي ليلى يحلفنا الغموس " إذ من الظاهر أن ابن أبي ليلى لم يكن ليحلف كل شاهد، فلا بد أن يكون احلافه هنا من جهة الشهادة بالشئ جزما، مع احتمال استناده في الواقع إلى الاستصحاب من غير أن يبين هذا المستند في شهادته.
ولعمري إن هذا من أعظم الشواهد على أن ذلك كان شعارا وطريقة إما لجميع الناس، فأبدعت القضاة لعنهم الله شيئا مخالفا لما هو مركوز في أذهان الناس من الشهادة والاخبار بمقتضى الاستصحاب من غير التنبيه عليه في الكلام. وإما لخصوص الشيعة، فكان القاضي الخبيث يحتمل في أمثال هذه الشهادات منهم الاعتماد على الاستصحاب وكان يحلفهم ليطمئن قلبه النجس بعدم استنادهم في الشهادة إلى العلم بالواقع، وكفى بهذا الوجه - أعني ركوز صحة الشهادة الاستصحابية في أذهان جميع الناس أو خصوص الشيعة ومخالفة العامة في ذلك - شاهدا على الصحة نظرا إلى ما تواتر من الأخذ بخلاف العامة (1) وبما اشتهر بين الأصحاب (2).
والحاصل، أن من نظر إلى الرواية بنظر الانصاف، ولاحظ القرائن الخارجية - ما ذكرنا وما لم نذكر - علم أنه ليس مراد الإمام عليه السلام