فالذي يتراءى في بادئ النظر هو عدم جواز الشهادة، لما عرفت من تطابق الأدلة الأربعة على عدم جواز الشهادة إلا مع العلم القطعي بالمشهود به، والاستصحاب كغيره من الأصول إنما ينزل موردها المشكوك فيه بمنزلة المعلوم، فيترتب عليه جميع الآثار التي كانت تترتب على المشكوك لو كان معلوما، ولا ينزل نفس الشك بمنزلة العلم حتى يترتب عليه آثار العلم.
ولا ريب أن جواز الشهادة بالشئ من آثار العلم بالشئ لا من آثار نفس ذلك الشئ حتى يلزم من اثباته بالاستصحاب ثبوت جواز الشهادة، نظير ذلك ما لو نذر زيد بأن يتصدق كل يوم بدرهم ما دام متيقنا بحياة ابنه فشك - بعد ذهابه إلى السفر - في حياته وموته، فحكم الشارع باستصحاب حياته لا يترتب عليه وجوب التصدق، لأن وجوب التصدق كان في النذر معلقا على اليقين بحياة زيد، لا على نفس الحياة.
نعم، لو نذر أن يتصدق ما دام حيا وجب التصدق باستصحاب الحياة.
وهذا كلام جار في جميع الطرق الغير العلمية، وحاصله أن الأسباب الظاهرية إنما تفيد واجدها وجوب العمل في مواردها كما لو كانت معلومة، وتجعل المشكوك كالمتيقن، لا الشك كاليقين، فافهم واغتنم.
ومن هنا ظهر فساد ما ربما يتمسك في اثبات جواز الشهادة الاستصحابية بالاستصحاب، لأن الشخص كان حين العلم تجوز له الشهادة وبعد زوال علمه نشك في الجواز وعدمه والأصل بقاء الجواز.
وجه الفساد: أن جواز الشهادة مترتب شرعا على العلم بتحقق المشهود به فيزول بزواله، وليس مترتبا على نفس المشهود به حتى يبقى باستصحابه.