وثانيا: أن الاستقراء على خلاف مراده أدل؛ وذلك لأن الهيئات على قسمين:
هيئة إفرادي، وهيئة جملي.
وواضح: أن هيئات المفردة على قسمين: إما فعل أو اسم، وما يدل على الانتساب هو هيئتي الماضي والمضارع فقط، وهيئة الأسماء المشتقة عبارة عن هيئة اسمي الفاعل والمفعول، واسمي الآلة والمكان، وصيغ المبالغة والصفة المشبهة، إلى غير ذلك.
فإذا كانت هيئات المشتقات - التي هي محل النزاع - أكثر مما يدل على الانتساب فكيف يصح إلحاق هيئات الأسماء المشتقة بهيئات الأفعال، ويقال: إن مقتضى الاستقراء والفحص في اللغة تدل على أن الهيئات التي تدل على معنى ما دائما يكون مدلولها شيئا من النسب؟!
وأما في هيئات الجمل: فقسم منها - وهو الكثير منها - لا تدل على النسبة أصلا، بل تدل على الهوهوية والاتحاد، وهي غير النسبة، كما سبق.
والحاصل: أن ادعاء الاستقراء على أن الهيئات تدل على النسبة في غير محله. والتبادر الذي ادعاه - مضافا إلى أنه على خلاف مدعاه - غير تام، فتدبر.
وثالثا: أنه إن أراد بقوله: " إن المشتق موضوع للحدث المنتسب " أنه موضوع لمفهوم الحدث المنتسب فيلزم أن لا يكون فرق في المشتقات أصلا؛ لاشتراك الكل في ذلك المفهوم؛ بداهة أن هذا المفهوم كما يصدق على اسم الفاعل - مثلا - كذلك يصدق على اسم المفعول، من دون زيادة ونقيصة؛ فيلزم أن لا يكون بين اسمي الفاعل والمفعول فرق، وهو كما ترى.
ولو قال: إن الفرق بينهما هو أن اسم الفاعل موضوع للحدث المنتسب إلى الفاعل، واسم المفعول موضوع للحدث المنتسب إلى المفعول.
فهو كر على ما فر؛ لأنه (قدس سره) ذهب إلى أن مفاد المشتق الحدث المنتسب إلى