وقد عرفت آنفا معنى تأسيسية الأمارة، وحاصله جعل مصداق من الأمارة غير المعهودة لدى العقلاء، فيكون وزانها بعد الجعل وزان سائر الأمارات الدارجة بينهم، هذا.
أضف إلى ذلك: أن أمارية الاستصحاب مخالف لظواهر أخبار الباب؛ فإنه (عليه السلام) في صحيحة زرارة بعد سؤال زرارة: فإنه كان على وضوء وحرك في جنبه شئ وهو لا يعلم، قال: " لا، حتى يستيقن أنه نام، حتى يجيء من ذلك أمر بين، وإلا فإنه على يقين من وضوئه، ولا ينقض اليقين أبدا بالشك وإنما ينقضه بيقين آخر " (1)، فظاهره يعطي بأن الإمام (عليه السلام) بصدد إثبات تنزيل المشكوك منزلة المتيقن لا تطويل عمر اليقين في ظرف الشك.
وبعبارة أخرى: سؤال زرارة عن المشكوك والمتيقن، فجواب الإمام (عليه السلام) بقرينة السؤال راجع إلى تنزيل المشكوك منزلة المتيقن، فيكون قوله (عليه السلام): " فإنه على يقين من وضوئه " علة لذلك. فالصحيحة لم تكن بصدد ترتيب آثار اليقين في ظرف الشك، بل بلحاظ ترتيب آثار المتيقن على المشكوك؛ لأنه قلما يتفق أن يكون اليقين نفسه ذا أثر، بل الأثر غالبا للمتيقن.
مضافا إلى أنه يقبح من زرارة - مع جلالة قدره وعظيم منزلته - أن يسأل عن ترتيب آثار بقاء نفس اليقين مع انتقاضه في ظرف الشك. نعم العناية في التعبير في كلام الإمام (عليه السلام) بنفس اليقين؛ ولذا قلنا - كما سيجيء - بجريان الاستصحاب في كل من الشك في المقتضي والرافع.
وبالجملة: ظاهر قوله (عليه السلام): " لا تنقض اليقين بالشك " يعطي بأن العناية في لسان الدليل باليقين والشك، وأن اليقين لصلابته لا ينقضه الشك، ولكن بقرينة