وهكذا الكلام في العموم؛ فإنه لم يرد العموم بالإرادة الجدية، بل أراده بالإرادة الاستعمالية.
نعم قبل الظفر بالمخصص يتخيل تطابق الإرادتين - الجدية والاستعمالية - وبعد الظفر بالمخصص يستكشف عن أنه من أول الأمر كان المراد غير المخصص؛ ولذا نقول: إن قوله - مثلا - صل مع الأجزاء والشرائط على نحو الجعل القانوني والإرادة الاستعمالية، فإذا نفى جزء أو شرطا عند الشك بلسان الرفع لا يكون رفعا حقيقيا حتى التكليف، بل يستكشف من ذلك أن الوظيفة لمن جهل الجزء أو الشرط أن يأتي الصلاة بدونهما.
وما ذكرناه هنا موجود في القوانين العرفية فإنه قد توضع أولا القوانين الكلية، ثم يعقبونها بمخصصات ومقيدات ويرفعها عن بعض، كما لا يخفى، فلو أمكن ذلك في القوانين العرفية فما ظنك في القوانين الكلية الإلهية!
فظهر: أن الإشكال المزبور لم يكن إشكالا عقليا في المسألة، كما لا يخفى.
الوجه الثاني: ما أفاده المحقق العراقي (قدس سره)، وحاصله: أن الأصول العدمية تكون مقتضاها نفي التكليف بالجزء أو الشرط المشكوك فيه، فبعد نفي التكليف بالنسبة إليه لا يمكن إثبات التكليف بباقي الأجزاء والشرائط بأدلتها؛ لأنه لا إطلاق لها من هذه الجهة، فإثبات وجوب الباقي لابد وأن يكون بالأصل العدمي، وذلك يتوقف على مقدمتين، بل مقدمات:
الأولى: أن تكون من الأصول التنزيلية العدمية؛ بأن ينزل المشكوك فيه منزلة العدم في ترتب أثر العدم عليه، لا حلية الترك في مرحلة الظاهر؛ لأنه عليه لا يسوغ الاكتفاء بالباقي؛ لمكان الارتباطية بين الأجزاء.
الثانية: أن يكون وجوب الباقي من الآثار الشرعية لنفي المشكوك فيه ليترتب على نفيه.