إذا أحطت خبرا بما ذكرنا عرفت: أنه لا معنى لإنشاء الحكومة بين الدليلين، بل الإنشاء يتعلق بما يكون حاكما بالحمل الشايع، مثلا جعل الشارع حكما لمن شك بين الأقل والأكثر، ثم جعل حكما آخر بقوله (عليه السلام): " لا شك لكثير الشك "، والعرف والعقلاء يحكمون قوله (عليه السلام) هذا على أدلة الشكوك.
وبما ذكرنا تعرف النظر فيما أجابه عن الإشكال، ولا نحتاج إلى الإعادة.
نعم ما ذكر أخيرا - من أنه يمكن جمع الأمور المتعذرة في اللفظ الواحد إذا اختلف وجه الدلالة؛ بأن يكون أحدهما بالمطابقة والآخر بالالتزام - يرجع إلى ما ذكرنا في دفع الإشكال ولا غبار عليه، فتدبر جيدا.
ذكر وإرشاد ثم إن المحقق العراقي (قدس سره) قال: إن المجعول في الأصول لو كان حكما شرعيا لاستلزم ذلك حكومة دليله على دليل الشروط الأولية، ولا يتوجه عليه شئ من الإشكالات إلا أحدها؛ وهو محذور لزوم الفقه الجديد. ولكن كون المجعول فيها حكما شرعيا موقع للنظر بل المنع.
وذلك لأن المجعول في الأصول المحرزة هو الأمر بترتب آثار اليقين على الشك - كالاستصحاب مثلا - ومن لوازم الجعل المزبور جواز الأخذ بها والجري على طبقها في مورد لا شك بالواقع وعدم الإجزاء بعد انكشاف الخلاف.
وأما المجعول في الأصول غير المحرزة - كقاعدتي الطهارة والحل - هو الأمر بترتب آثار الواقع في ظرف الشك؛ لأن لسان قاعدة الطهارة - مثلا وإن كان يوهم أن المجعول فيها هي الطهارة في ظرف الشك بها إلا أن التأمل في أطرافها - خصوصا بملاحظة مناسبة الحكم والموضوع - ينفي ذلك التوهم، ويوجب للملتفت استظهار أن المراد تعبد المكلف بترتيب آثار الطهارة في ظرف الشك بها، كجواز الدخول في