فدلت الآيتان على لزوم الاستباق والمسارعة إلى فعل الواجبات، التي هي خيرات وأسباب وطرق إلى المغفرة.
ولا يخفى: أنه لو تمت الاستدلال بهما يكونا دليلين شرعيين على لزوم الفورية في الواجبات الشرعية، فلا تصح استفادة فورية كل واجب وإن لم يكن شرعيا. وكذا تثبتان الفورية العرفية لا العقلية؛ لأن المستفاد منهما - على تقدير تمامية الدلالة - هو أنه إذا تعلق أمر شرعي بشيء ولم يكن هناك قرينة على التراخي لا يجوز التساهل عنه، بل يجب إتيانه فورا.
والذي يسهل الخطب: عدم تمامية الاستدلال بالآيتين لفورية الإتيان بالواجبات:
أما آية الاستباق: فإن الظاهر من مادة الاستباق إلى أمر هو تسابق الأشخاص والأفراد بعضهم على بعض على إتيانه وتقدم أحدهم على الآخر في الوصول إليه، مع معرضيته لهم بحيث لو لم يسبق أحدهم إليه لفات منه بإتيان غيره، لا مبادرة شخص على عمل الخير، مع قطع النظر عن كونه مورد المسابقة بين أقرانه.
فإن كان - مع ذلك - في قلبك مما ذكرنا ريب فلاحظ موارد استعمالات مادة الاستباق، كقوله تعالى حكاية عن يوسف - على نبينا وآله وعليه السلام - وزليخا:
(فاستبقا الباب) (1)، وما يقال في كتب المقاتل: " تسابق القوم على نهب بيوت آل الرسول " (2)؛ خصوصا كتاب السبق والرماية، فترتفع غائلة الشك والشبهة عن قلبك بعونه تعالى وقوته.
فإذن: يعنى قوله تعالى: (فاستبقوا الخيرات) هو تسابق المكلفين بعضهم على بعض، وتقدم بعضهم على الآخر في إتيان خيرات، لو لم يسبق كل واحد منهم