ولا يصح أن يطلقا إذا كان المسابق إليه والمسارع إليه متعددا، وفاعل الاستباق والمسارعة واحدا.
وبالجملة: المسابقة والاستباق يكون بين الفاعلين نحو شئ - واحدا كان ذلك الشيء أو متعددا - والأكثر كونه واحدا، كما في قوله تعالى: (فاستبقا الباب) (1) و " تسابقوا على قتل زيد "، " وتسابقوا على نهب بيوت آل الرسول "، إلى غير ذلك من موارد الاستعمالات.
وإن كان - مع ذلك - في خواطرك ريب فلاحظ باب السبق والرماية، فيزول عن خواطرك الريب؛ فيتضح لك الأمر جليا.
فإذن: المراد بالسابق إليه في الآية المباركة سنخ خير يريد المكلفون النيل إليه، ويكون موردا لمسابقتهم.
فظهر مما ذكرنا: أن قوله (قدس سره) إن مفهوم الاستباق يقتضي وجود عدد من الخيرات لا وجه له، هذا أولا.
وثانيا: أن الأوامر - كما حقق في محله - متعلقة بالطبائع لا الأفراد، فإذا أوجد المكلف فردا من الطبيعة فقد حصلت الطبيعة المأمور بها، فلم يكن إتيان جميع أفراد كل خير مطلوبة؛ فحينئذ لا معنى للمزاحمة.
وثالثا: أن مجرد السقوط بالمزاحمة لا يخرج الشيء عن الخيرية بعد إحراز خيريته بتوسط الأمر المتعلق به؛ لأن التزاحم إنما هو في عدم القدرة على امتثال كليهما؛ فإن كان أحدهما أهم يجب صرف القدرة عليه، وإن كانا متساويين يتخير في الأخذ بأيهما شاء.
وبعد الأخذ بأحدهما سقط الأمر المتعلق بالآخر على زعمهم. ولكن نحن لا نقول بالسقوط بالمزاحمة، كما سيمر بك إن شاء الله تعالى.