والشاهد على ذلك كله: المراجعة إلى فهم العرف؛ إذ لا دليل في أمثال ذلك أمتن مما ذكره (1).
ثم احتمل وجها آخر - وهو الذي اخترناه - فارتقب حتى حين.
وفيه: أن دلالة اللفظ على معناه بعدما لم تكن ذاتية لم تكن جزافية، بل تابعة للوضع.
فظهور كل لفظ في معناه - كالوجوب فيما نحن فيه - لابد وأن يكون له منشأ، فهو لا يخلو إما أن يكون اللفظ موضوعا له بالوضع التعييني، أو بالوضع التعيني بكثرة الاستعمال فيه، أو لاحتفافه بقرينة عامة، أو تكون للانصراف إليه، وكلها مفقودة فيما نحن فيه:
أما الوضع التعييني فمسلم عند الكل. وأما التعيني فهو رهين كثرة الاستعمال، ولم يثبت كثرته في الوجوب النفسي بالنسبة إلى الوجوب الغيري. والأصل عدم وجود قرينة عامة في البين. والانصراف أيضا لابد له من كثرة الاستعمال الموجبة لهجر غير ما انصرف إليه ولم يثبت.
فإذن: دعوى الظهور العرفي فيما أفاده غير وجيه.
والذي يقتضيه التحقيق في وجه ذلك أن يقال - بعد مسلمية الأمر عند العرف والعقلاء، وهو الذي احتمله شيخنا العلامة الحائري (قدس سره) أخيرا - هو أنه قد سبق منا أن الهيئة وضعت للبعث والإغراء بالمعنى الحرفي، نظير إشارة الأخرس (2). فإذن:
الهيئة آلة لإيجاد معناها، نظير إيجاد أداة القسم والنداء والاستفهام معانيها؛ فلا معنى لكون الموضوع له عاما، بل خاصا.