الذهن، لكن لا مقيدة بوجودها في الذهن، وإلا لما صح الحكم عليها؛ حتى قولهم: الماهية من حيث هي هي ليست إلا هي.
فإذن: الأمر إنما يتعلق بوجود الطبيعة المتقررة في الذهن، ويريد إيجادها خارجا، وواضح أن تقرر الطبيعة في الذهن لا يتوقف على الأمر؛ لما أشرنا أنه ربما يتصور أمور لا خارجية لها.
فعلى هذا: كما يمكن تصور الصلاة - مثلا - من حيث هي هي، والتصديق بفائدتها، والاشتياق بها، ثم الإرادة المحركة نحوها، ويمكن تصورها والتصديق بفائدتها والاشتياق وإرادتها مقيدة بكونها إلى القبلة، وكونها بعد الوقت ونحوهما.
فكذلك يمكن تصورها مقيدة بالأمر بها؛ بداهة أنه للآمر أن يتصور طبيعة ما، فيتصور كونها بقصد الأمر، ثم يأمر بها مقيدة به.
إذا أحطت خبرا بما ذكرنا ظهر لك: أن ما يتوقف على الأمر هو وجوده الخارجي للمأمور به بقصد الأمر، وأما الذي يتوقف عليه الأمر هو وجوده الذهني؛ فالموقوف غير الموقوف عليه.
فتحصل: أن ما يتوقف الأمر عليه هو تصور الطبيعة؛ إما مطلقة أو مقيدة بقيد أو قيود، وما يتوقف على الأمر هو وجودها الخارجي؛ فلا توقف في البين.
والإشكال نشأ من خلط الموضوع الخارجي بالموضوع الذهني.
وبعبارة أخرى: الاختلاط بين المصداق الخارجي المتوقف على الأمر وبين العنوان الذهني المتوقف عليه الأمر أوجب الإشكال، وكم له من نظير! كما لا يخفى على من له وقوف بالمسائل.
الوجه الثاني: قريب من الوجه الأول؛ وهو أن كل حكم يتوقف على موضوعه، والموضوع هنا متوقف على الحكم؛ لأن قصد الأمر قيد للموضوع؛ فيلزم تقدم الشيء على نفسه.