والثاني: ما ذهب إليه المحقق العراقي (قدس سره): من أنه ليس لصيغة الأمر إلا معنى واحدا في جميع موارد استعمالها؛ وهو البعث الملحوظ نسبة بين المادة التي جرت عليها الصيغة، وبين المخاطب بها.
وهذه النسبة قائمة بين مفهوم المادة ومفهوم ذات ما، وتحكي النسبة المذكورة عن بعث خارجي في مقام التصور، وإن لم يكن لها مطابق في الخارج في مقام التصديق. وهذا المعنى الواحد ينشأه المتكلم بداعي الطلب الحقيقي فيكون بعثا حقيقيا، وبداعي التهديد فيكون تهديدا، وبداعي الترجي فيكون ترجيا، إلى غير ذلك من الأمور التي زعم أنها معاني الصيغة.
وواضح: أن اختلاف الدواعي في مقام استعمال اللفظ في معناه لا يوجب اختلاف المستعمل فيه وتعدده؛ ليكون مشتركا، أو حقيقة ومجازا، انتهى ملخصا (1).
وفيه: أنه قد أشرنا أنه - مع كونه تبعيدا للمسافة - لا يرجع إلى محصل.
ومنشأ ما ذكره هو توهم أن المجاز استعمال اللفظ في غير معناه الموضوع له، كما لعله المشهور بينهم، ويرون أن كل لفظ إذا استعمل في معناه الموضوع له - لأي غرض كان - فهو حقيقة.
فلو تم المبنى لا غبار للبناء عليه، وإن كان مثاله لا يخلو عن مناقشة.
ولكن المبنى - كما أشرنا - غير تام؛ لما أشرنا: أن في المجاز أيضا استعمل اللفظ في معناه الحقيقي؛ ليتجاوز عنه إلى غيره. فالمجازية باعتبار تجاوزه عن معناه الحقيقي إلى غيره بالقرائن؛ فلا يتم ما أفاده، فتأمل.