أجود التقريرات - تقرير بحث النائيني ، للسيد الخوئي - ج ١ - الصفحة ٥١٣
الصدوق وأماليه باسناده عن الأصبغ مثله وفي تفسير العياشي عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال كان علي بن الحسين ع يقول لولا آية في كتاب الله لحدثتكم بما يكون إلى يوم القيامة فقلت اية آية قال قول الله يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب وفي قرب الإسناد عن الرضا عليه السلام أنه قال قال أبو عبد الله وأبو جعفر وعلي بن الحسينوالحسين بن علي والحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام والله لولا آية في كتاب الله لحدثناكم بما يكون إلى أن تقوم الساعة يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب إلى غير ذلك من الروايات الواردة في هذا الباب (والمتحصل) من جميع ذلك ان البداء لا يكون الا في القضاء الموقوف وان الالتزام به لا يستلزم نسبة الجهل والعياذ بالله إليه تعالى نعم ان الالتزام به يستدعى القول بعدم إحاطة العبد كائنا من كان بجميع ما أحاط به علمه تعالى وهذا مما لا مناص عن الالتزام به فان النبي الأكرم وأوصيائه المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين وان كانوا عالمين بالفعل أو متى شاءوا بجميع عوالم الممكنات بتعليم الله تبارك لهم ذلك الا انهم غير عالمين بالعالم الربوبي وبما أحاط به علمه المخزون فلا علم لهم بتعلق مشيته جل وعلا وعدم تعلقها بشئ الا فيما اخبرهم الله به على نحو الحتم فالنبي أو الوصي وإن كان عالما بوجود ما هو سبب تام لوجود شئ في طرفه لولا تعلق المشية الإلهية بعدم وجوده الا انه مع ذلك لا يكون عالما بوجود ذلك الشيئ الا مع اخباره تعالى بتعلق مشيته به (ومن هنا يظهر) انه ليس في القول بالبداء وامكان التغيير في القضاء الموقوف ما ينافي عظمة الرب وجلاله بل القول بالبداء هو الذي يوجب انقطاع العبد إلى سيده وطلبه الإجابة لد عائه ودفع البلاء عنه وتوفيقه للطاعة وبعده عن المعصية واما انكار البداء والالتزام بان ما جرى عليه قلم التقدير كائن لا محالة فهو يستلزم اليأس عن إجابة الدعاء وترك تضرع العبد إلى خالفه فان المكتوب بقلم التقدير إن كان وقوع ما يطلبه العبد فلا حاجة إلى الدعاء والتضرع وإن كان المكتوب خلافه لم يترتب على الدعاء والتضرع اثر أصلا ومن ذلك يتضح ذلك سر ما ورد في الروايات المتقدمة من الاهتمام بشأن البداء وانه ما عبد الله بشئ مثل البداء واما القول بعدم جواز البداء فهو يشترك في النتيجة مع القول بعدم قدرة الله على تغيير ما جرى عليه قلم التقدير فان كلا من القولين يستلزم يأس العبد عن إجابة دعائه وعدم توجهه إلى ربه في انجاح طلبته وقضاء حاجته فالقول بالبداء عبارة عن الاعتراف بكون العالم بأجمعه تحت سلطان الله جلت عظمته حدوثا و بقاء وبان إرادة الله تعالى ماضية ومشيته نافذة ولو كان ذلك على خلاف قضائه الموقوف كما عرفت وليت شعري كيف غفل علماء العامة عن ذلك حتى أنهم شنعوا على الشيعة في قولهم بالبداء زعما منهم انه يستلزم نسبة الجهل والعياذ بالله إليه تعالى هب انهم لم يتدبروا في كلمات علمائنا الأبرار حق التدبر فلم يصلوا إلى ما أرادوه بلفظ البداء لكنهم لماذا لم يتنبهوا إلى أن قول الشيعة بذلك انما هو على اثر اتباعهم لأقوال أئمتهم الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فليتهم إذ لم يعرفوا معنى البداء لم يعاندوه و اعترفوا بالواقع على ما هو عليه ولكن طالب الحقيقة قليل والتعصب مرض قل من نجا منه والله هو الهادي إلى سواء السبيل (واما المقام الثاني) فتحقيق الحال فيه هو ان النبي أو الوصي إذا أخبر بوقوع شئ من غير تعليق بل على سبيل الحتم والجزم فهو يكشف لا محالة عن كونه مكتوبا بقلم القضاء المحتوم وعن تعلق المشية الإلهية به على سبيل البت والجزم والمخبر به بمثل هذا الخبر يقع في الخارج لا محالة لما عرفت من أن الله تعالى لا يكذب نفسه ولا نبيه واما إذا أخبر به معلقا على عدم تعلق المشية الإلهية بخلا فه فهو لا يكشف الا عن جريان القضاء الموقوف على طبقه ومن الواضح ان صدق مثل هذا الخبر لا يستلزم وقوع المخبر به في الخارج إذ المفروض فيه تعلق الاخبار بوقوع ذلك الشيئ على تقدير لا على كل تقدير فلا ينافي عدم تحقق المعلق عليه مطابقة الخبر للواقع التي هو مناط اتصاف الخبر بالصدق ثم إن ما يدل على الاشتراط والتعليق عند الاخبار بشئ قد يكون من قبيل القرائن المتصلة كما في قول أمير المؤمنين على ما رواه العياشي عن عمرو بن الحمق بعد اخباره سلام الله عليه بالرخاء بعد السبعين ويمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب وقد يكون من قبيل القرائن المنفصلة كما ورد ذلك في رواية علي بن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن الفضيل عن أبيه عن جعفر عليه السلام حيث إنه بعد ما اخبره الصادق سلام الله عليه بانقراض ملك بنى العباس وتفسيره قول الله عز من قائل حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت بذلك قال قلت جعلت فداك فمتى يكون ذلك قال عليه السلام اما انه لم يوقت لنا فيه وقت ولكن إذا حدثنا كم بشئ فكان كما نقول فقولوا صدق الله ورسوله وإن كان بخلاف ذلك فقولوا صدق الله ورسوله توجروا مرتين الخبر وغير خفى ان تصديق اخبارهم على كلا التقديرين انما يبتنى على أن يكون اخبارهم بوقوع شئ في الخارج معلقا بعدم تعلق المشية الإلهية بخلافه ففي هذه الرواية دلالة ظاهرة على أن اخبارهم عن شئ انما هو اخبار عن القضاء الموقوف ما لم تنصب قرينة على كونه اخبارا عن القضاء المحتوم (ثم إن اطلاق) لفظ البداء على المعنى المزبور الذي هو بمعنى الابداء حقيقة مبنى على التنزيل والاطلاق بعلاقة المشاكلة كما وقع نظير ذلك في جملة من الاستعمالات القرآنية كقوله تعالى الان علم الله فيكم ضعفا وقوله تعالى لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا وقوله تعالى لنبلوكم أيكم أحسن عملا وغيرها مما لا يخفى و يمكن توجيه جميع ذلك بوجه آخر دقيق قد تعرضنا له في محله والتفصيل لا يسعه المجال والاجمال ربما لا يساعده بعض الافهام فالأولى الصفح عن بيانه وايكال ذلك إلى محله والحمد لله على هدايته لنا بولاية أوليائه وبالاقتداء بهم والاستضائة بنور علومهم ونسئله جل وعلا ان يحشرنا معهم