تعالى فوقعوا في محذور آخر وهو نفى العدل عنه جل وعلا (واما) الأساس لنفى التفويض الذي التزم به المعتزلة وأرادوا به اثبات العدل فوقعوا في محذور سلب السلطنة فحاصله ان التفويض يتوقف على أن تكون العلة المحدثة مبقية أيضا حتى يكون البقاء مستغنيا عن المؤثر إذ عليه لا يحتاج العبد بعد إفاضة الوجود والقدرة والمشية له إلى شئ أصلا واما بناء على ما هو التحقيق من أن الممكن حيث إن الافتقار والاحتياج من لوازم ذاته فهو مفتقر إلى الواجب دائما ومحتاج إلى إفاضة الوجود والقدرة والمشيئة في في كل آن بحيث لو انقطع عنه الفيض لا نعدم بنفسه ولا يحتاج إلى تسبب لاعدامه فالفعل حيث أنه يصدر عن اختيار العبد فهو منتسب إليه وبما أن فيض الوجود و القدرة وغيرهما من مبادى الفعل يستمر من قبله تبارك وتعالى فالفعل منتسب إليه تعالى ففيه جهتان واقعيتان بكل جهة ينتسب إلى فاعل فيثبت الامر بين الامرين وما هو الحق في البين فلم يلزم نفى العدل ولا السلطنة عنه تبارك وتعالى (وهذا) الذي ذكرناه هو مذهب الإمامية ومن اسرار العلوم آلاء لهية رزقنا الله تعالى الوصول إليها وان وقع في خلافه جم غفير لأجل شبهة عرضت لهم فهم قائلون بالجبر واقعا وان لم يعترفوا به لسانا بقى الكلام في دفع الشبهة التي ربما تورد على ما ورد في الحديث القدسي من قوله تبارك وتعالى (يا ابن آدم بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء فأنت أولى بسيئاتك منى وأنا أولي بحسناتك منك) وحاصل الشبهة أن نسبة الفعل الاختياري إلى العبد والباري جل وعلا في الطاعة والمعصية نسبة واحدة فان الفعل طاعة كان أو معصية من جهة ينتسب إلى العبد ومن جهة إلى الله تعالى فما وجه الأولوية في كل من الطرفين (والجواب) عن الشبهة هو أن الله تبارك وتعالى لما جعل في قبال المرجحات والقوى النفسانية التي هي جنود الجهل والشيطان وهى الغضب والشهوة والطمع و غير ذلك مرجحات رحمانية وهى جنود العقل والرحمان لئلا يكون العبد مجبولا على إطاعة النفس وليتمكن من المجاهدة وتقديم المرجحات الا لهية فهو ان قدم المرجح النفساني فهو أولى بالفعل لمغلوبية الجهة الإلاهية وان قدم المرجح الإلهي فهو تبارك وتعالى أولى بالفعل فكون الفعل أمرا بين الامرين مطلقا لا ينافي الأولوية من جهة
(٩٣)