وأما قوله في آخر الآية: * (ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون) * المراد منه الأمر بالتوكل على الله في دفع شر الناس الكفار وسفاهتهم، وعلى هذا التقدير فالتكرار غير حاصل لأن قوله: * (وعلى الله فليتوكل) * وارد في موضعين مختلفين بحسب مقصودين متغايرين، وقيل أيضا: الأول: ذكر لاستحداث التوكل. والثاني: للسعي في إبقائه وإدامته والله أعلم.
قوله تعالى * (وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنآ أو لتعودن فى ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين * ولنسكننكم الارض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامى وخاف وعيد * واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد * من ورآئه جهنم ويسقى من مآء صديد * يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورآئه عذاب غليظ) * اعلم أنه تعالى لما حكى عن الأنبياء عليهم السلام، أنهم اكتفوا في دفع شرور أعدائهم بالتوكل عليه والاعتماد على حفظه وحياطته، حكى عن الكفار أنهم بالغوا في السفاهة وقالوا: * (لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا) * والمعنى: ليكونن أحد الأمرين لا محالة إما إخراجكم وإما عودكم إلى ملتنا. والسبب فيه أن أهل الحق في كل زمان يكونون قليلين وأهل الباطل يكونون كثيرين والظلمة والفسقة يكونون متعاونين متعاضدين، فلهذه الأسباب قدروا على هذه السفاهة.
فإن قيل: هذا يوهم أنهم كانوا على ملتهم في أول الأمر حتى يعودوا فيها.
قلنا: الجواب من وجوه:
الوجه الأول: أن أولئك الأنبياء عليهم السلام إنما نشأوا في تلك البلاد وكانوا من تلك