بسم الله الرحمن الرحيم قوله تعالى * (وهو الذى مد الارض وجعل فيها رواسى وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشى اليل النهار إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون) * اعلم أنه تعالى لما قرر الدلائل السماوية أردفها بتقرير الدلائل الأرضية فقال: * (وهو الذي مد الأرض) *.
واعلم أن الاستدلال بخلقه الأرض وأحوالها من وجوه: الأول: أن الشيء إذا تزايد حجمه ومقداره صار كأن ذلك الحجم وذلك المقدار يمتد فقوله: * (وهو الذي مد الأرض) * إشارة إلى أن الله سبحانه هو الذي جعل الأرض مختصة بذلك المقدار المعين الحاصل له لا أزيد ولا أنقص والدليل عليه أن كون الأرض أزيد مقدارا مما هو الآن وأنقص منه أمر جائز ممكن في نفسه فاختصاصه بذلك المقدار المعين لا بد أن يكون بتخصيص وتقدير. الثاني: قال أبو بكر الأصم المد هو البسط إلى ما لا يدرك منتهاه فقوله: * (وهو الذي مد الأرض) * يشعر بأنه تعالى جعل حجم الأرض حجما عظيما لا يقع البصر على منتهاه، لأن الأرض لو كانت أصغر حجما مما هي الآن عليه لما كمل الانتفاع به. والثالث: قال قوم كانت الأرض مدورة فمدها ودحا من مكة من تحت البيت فذهبت كذا وكذا. وقال آخرون: كانت مجتمعة عند البيت المقدس فقال لها: اذهبي كذا وكذا.
اعلم أن هذا القول إنما يتم إذا قلنا الأرض مسطحة لا كرة وأصحاب هذا القول احتجوا عليه بقوله: * (والأرض بعد ذلك دحاها) * (النازعات: 30) وهذا القول مشكل من وجهين. الأول: أنه ثبت بالدلائل