* (وقل إنى أنا النذير المبين * كمآ أنزلنا على المقتسمين * الذين جعلوا القرءان عضين) * ثم قال (ولا تحزن عليهم) ان لم يؤمنوا فيقوى بمكانهم الاسلام وينتعش بهم المؤمنون. والحاصل أن قوله (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم) نهى له عن الالتفات إلى أموالهم وقوله (ولا تحزن عليهم) نهى له عن الالتفات إليهم وأن يحصل لهم في قلبه قدر ووزن.
ثم قال (واخفض جناحك للمؤمنين) الخفض: معناه في اللغة نقيض الرفع، ومنه قوله تعالى في صفة القيامة (خافضة رافعة) أي أنها تخفض أهل المعاصي، وترفع أهل الطاعات، فالخفض معناه الوضع، وجناح الانسان يده. قال الليث: يدا الانسان جناحاه ومنه قوله (واضمم إليك جناحك من الرهب) وخفض الجناح كناية عن اللين والرفق والتواضع، والمقصود أنه تعالى لما نهاه عن الالتفات إلى أولئك الأغنياء من الكفار أمره بالتواضع لفقراء المسلمين، ونظيره قوله تعالى (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) وقال في صفة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (أشداء على الكفار رحماء بينهم) قوله تعالى (وقل إني أنا النذير المبين كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين) اعلم أنه تعالى لما أمر رسوله بالزهد في الدنيا، وخفض الجناح للمؤمنين، أمره بأن يقول للقوم: * (إني أنا النذير المبين) * فيدخل تحت كونه نذيرا، كونه مبلغا لجميع التكاليف، لأن كل ما كان واجبا ترتب على تركه عقاب وكل ما كان حراما ترتب على فعله عقاب فكان الأخبار بحصول هذا العقاب داخلا تحت لفظ النذير، ويدخل تحته أيضا كونه شارحا لمراتب الثواب والعقاب والجنة والنار، ثم أردفه بكونه مبينا، ومعناه كونه آتيا في كل ذلك بالبيانات الشافية والبينات الوافية، ثم قال بعده: * (كما أنزلنا على المقتسمين) * وفيه بحثان:
البحث الأول: اختلفوا في أن المقتسمين من هم؟ وفيه أقوال:
القول الأول: قال ابن عباس: هم الذين اقتسموا طرق مكة يصدون الناس عن الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقرب عددهم من أربعين. وقال مقاتل بن سليمان: كانوا ستة عشر رجلا بعثهم الوليد بن المغيرة أيام الموسم، فاقتسموا عقبات مكة وطرقها يقولون لمن يسلكها لا تغتروا بالخارج منا، والمدعي للنبوة فإنه مجنون، وكانوا ينفرون الناس عنه بأنه ساحر أو كاهن