في يوم ذي عصوف، وإن شئت قلت: في يوم عاصف الريح فحذف ذكر الريح لكونه مذكورا قبل ذلك، وقرئ في يوم عاصف بالإضافة.
المسألة الرابعة: قوله: * (لا يقدرون مما كسبوا على شيء) * أي لا يقدرون مما كسبوا على شيء منتفع به لا في الدنيا ولا في الآخرة وذلك لأنه ضاع بالكلية وفسد، وهذه الآية دالة على كون العبد مكتسبا لأفعاله.
واعلم أنه تعالى لما تمم هذا المثال قال: * (ألم تر أن الله خلق السماوات والأرض بالحق) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: وجه النظم أنه تعالى لما بين أن أعمالهم تصير باطلة ضائعة، بين أن ذلك البطلان والإحباط إنما جاء بسبب صدر منهم وهو كفرهم بالله وإعراضهم عن العبودية فإن الله تعالى لا يبطل أعمال المخلصين ابتداء، وكيف يليق بحكمته أن يفعل ذلك وأنه تعالى ما خلق كل هذا العالم إلا لداعية الحكمة والصواب.
المسألة الثانية: قرأ حمزة والكسائي: * (خالق السماوات والأرض) * على اسم الفاعل على أنه خبر أن والسماوات والأرض على الإضافة كقوله: * (فاطر السماوات والأرض) * (إبراهيم: 10). * (فالق الإصباح) * (الأنعام: 95). و * (جعل الليل سكنا) * (الأنعام: 96) والباقون خلق على فعل الماضي: * (والسماوات والأرض) * بالنصب لأنه مفعول.
المسألة الثالثة: قوله: * (بالحق) * نظير لقوله في سورة يونس: * (وما خلق الله ذلك إلا بالحق) * (يونس: 5) ولقوله في آل عمران: * (ربنا ما خلقت هذا باطلا) * (آل عمران: 191) ولقوله في ص: * (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا) * (ص: 27) أما أهل السنة فيقولون إلا بالحق وهو دلالتهما على وجود الصانع وعلمه وقدرته، وأما المعتزلة فيقولون: إلا بالحق، أي لم يخلق ذلك عبثا بل لغرض صحيح.
ثم قال تعالى: * (إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد) * والمعنى: أن من كان قادرا على خلق السماوات والأرض بالحق، فبأن يقدر على إفناء قوم وإماتتهم وعلى إيجاد آخرين وإحيائهم كان أولى، لأن القادر على الأصعب الأعظم بأن يكون قادرا على الأسهل الأضعف أولى. قال ابن عباس: هذا الخطاب مع كفار مكة، يريد أميتكم يا معشر الكفار، وأخلق قوما خيرا منكم وأطوع منكم.
ثم قال: * (وما ذلك على الله بعزيز) * أي ممتنع لما ذكرنا أن القادر على إفناء كل العالم وإيجاده بأن يكون قادرا على إفناء أشخاص مخصوصين وإيجاده أمثالهم أولى وأحرى، والله أعلم.