الذين آمنوا وعلموا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب (29) والهدى الذي يفعله بالمؤمن هو الثواب، لأنه يستحقه على إيمانه، وذلك يدل على أنه تعالى إنما يضل عن الثواب بالعقاب، لا عن الدين بالكفر على ما ذهب إليه من خالفنا. هذا تمام كلام أبى على وقوله (أناب) أي أقبل إلى الحق وحقيقته دخل في نوبة الخير.
قوله تعالى (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب) اعلم أن قوله (الذين آمنوا) بدل من قوله (من أناب) قال ابن عباس: يريد إذا سمعوا القرآن خشعت قلوبهم واطمأنت.
فان قيل: أليس أنه تعالى قال في سورة الأنفال (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم) والوجل ضد الاطمئنان، فكيف وصفهم ههنا بالاطمئنان؟
والجواب من وجوه: الأول: أنهم إذا ذكروا العقوبات ولم يأمنوا من أن يقدموا على المعاصي فهناك وصفهم بالوجل، وإذا ذكروا وعده بالثواب والرحمة، سكنت قلوبهم إلى ذلك، وأحد الامرين لا ينافي الآخر، لان الوجل هو بذكر العقاب والطمأنينة بذكر الثواب، ويوجد الوجل في حال فكرهم في المعاصي، وتوحيد الطمأنينة عند اشتغالهم بالطاعات. الثاني: أن المراد أن علمهم بكون القرآن معجزا يوجب حصول الطمأنينة لهم في كون محمد صلى الله عليه وسلم نبيا حقا من عند الله.
أما شكهم في أنهم أتوا بالطاعات على سبيل التمام والكمال فيوجب حصول الوجل في قلوبهم، الثالث أنه حصلت في قلوبهم الطمأنينة في أن الله تعالى صادق في وعده ووعيده، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم صادق في كل ما أخبر عنه، إلا أنه حصل الوجل والخوف في قلوبهم أنهم هل أتوا بالطاعة الموجبة للثواب أم لا، وهل احترزوا عن المعصية الموجبة للعقاب أم لا.
واعلم أن لنا في قوله (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) أبحاثا دقيقة غامضة وهي من وجوه:
(الوجه الأول) أن الموجودات على ثلاثة أقسام: مؤثر لا يتأثر: لا يؤثر، وموجود يؤثر في شئ ويتأثر عن شئ فالمؤثر الذي لا يتأثر هو الله سبحانه وتعالى، والمتأثر الذي لا يؤثر هو الجسم، فإنه ذات قابلة للصفات المختلفة والآثار المتنافية، وليس له خاصية إلا القبول فقط. وأما الموجود الذي يؤثر تارة ويتأثر أخرى، فهي الموجودات الروحانية. وذلك لأنها إذا توجهت إلي الحضرة الإلهية صارت قابلة للآثار الفائضة عن مشيئة الله تعالى وقدرته وتكوينه وإيجاده. وإذا توجهت إلى عالم