المطلوب، بل قال: * (ربنا إنك تعلم ما نخفى وما نعلن) * أي إنك تعلم ما في قلوبنا وضمائرنا، ثم قال: * (الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحق) * وذلك يدل ظاهرا على أنهما يبقيان بعد موته وأنه مشغول القلب بسببهما فكان هذا دعاء لهما بالخير والمعونة بعد موته على سبيل الرمز والتعريض وذلك يدل على أن الاشتغال بالثناء عند الحاجة إلى الدعاء أفضل من الدعاء قال عليه السلام حاكيا عن ربه أنه قال: " من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين " ثم قال: * (إن ربي لسميع الدعاء) *.
واعلم أنه لما ذكر الدعاء على سبيل الرمز والتعريض لا على وجه الإيضاح والتصريح قال: * (إن ربي لسميع الدعاء) * أي هو عالم بالمقصود سواء صرحت به أو لم أصرح وقوله: سميع الدعاء. من قولك سمع الملك كلام فلان إذا اعتد به وقبله ومنه سمع الله لمن حمده.
المطلوب الخامس: قوله: * (رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: احتج أصحابنا بهذا الآية على أن أفعال العبد مخلوقة لله تعالى فقالوا إن قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام: * (اجنبني وبني أن نعبد الأصنام) * يدل على أن ترك المنهيات لا يحصل إلا من الله وقوله: * (رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي) * يدل على أن فعل المأمورات لا يحصل إلا من الله، وذلك تصريح بأن إبراهيم عليه السلام كان مصرا على أن الكل من الله.
المسألة الثانية: تقدير الآية: رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي. أي واجعل بعض ذريتي كذلك لأن كلمة " من " في قوله: * (ومن ذريتي) * للتبعيض، وإنما ذكر هذا التبعيض لأنه علم باعلام الله تعالى أنه يكون في ذريته جمع من الكفار وذلك قوله: * (لا ينال عهدي الظالمين) *.
المطلوب السادس: أنه عليه السلام لما دعا الله في المطالب المذكورة دعا الله تعالى في أن يقبل دعاءه فقال: * (ربنا وتقبل دعاء) * وقال ابن عباس: يريد عبادتي بدليل قوله تعالى: * (وأعتزلكم وما تدعون من دون الله) * (مريم: 48).
المطلوب السابع: قوله: * (ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: لقائل أن يقول: طلب المغفرة إنما يكون بعد سابقة الذنب فهذا يدل على أنه كان قد صدر الذنب عنه وإن كان قاطعا بأن الله يغفر له فكيف طلب تحصيل ما كان قاطعا بحصوله؟
والجواب: المقصود منه الالتجاء إلى الله تعالى وقطع الطمع إلا من فضله وكرمه ورحمته.
المسألة الثانية: إن قال قائل كيف جاز أن يستغفر لأبويه وكانا كافرين؟