القول الأول: قال المفسرون: إذا استقر أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، أخذ أهل النار في لوم إبليس وتقريعه فيقوم في النار فيما بينهم خطيبا ويقول ما أخبر الله عنه بقوله: * (وقال الشيطان لما قضى الأمر) *.
القول الثاني: أن المراد من قوله: * (قضى الأمر) * لما انقضت المحاسبة، والقول الأول أولى، لأن آخر أمر أهل القيامة استقرار المطيعين في الجنة واستقرار الكافرين في النار، ثم يدوم الأمر بعد ذلك.
والقول الثالث: وهو أن مذهبنا أن الفساق من أهل الصلاة يخرجون من النار ويدخلون الجنة فلا يبعد أن يكون المراد من قوله: * (لما قضي الأمر) * ذلك الوقت، لأن في ذلك الوقت تنقطع الأحوال المعتبرة، ولا يحصل بعده إلا دوام ما حصل فيه قبل ذلك، وأما الشيطان فالمراد به إبليس لأن لفظ الشيطان لفظ مفرد فيتناول الواحد وإبليس رأس الشياطين ورئيسهم، فحمل اللفظ عليه أولى، لا سيما وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا جمع الله الخلق وقضى بينهم يقول الكافر قد وجد المسلمون من يشفع لهم فمن يشفع لنا ما هو إلا إبليس هو الذي أضلنا فيأتونه ويسألونه فعند ذلك يقول هذا القول ".
أما قوله: * (إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم) * ففيه مباحث:
البحث الأول: المراد أن الله تعالى وعدكم وعد الحق وهو البعث والجزاء على الأعمال فوفى لكم بما وعدكم ووعدتكم خلاف ذلك فأخلفتكم، وتقرير الكلام أن النفس تدعو إلى هذه الأحوال الدنيوية ولا تتصور كيفية السعادات الأخروية والكمالات النفسانية والله يدعو إليها ويرغب فيها كما قال: * (والآخرة خير وأبقى) * (الأعلى: 17).
البحث الثاني: قوله: * (وعد الحق) * من باب إضافة الشيء إلى نفسه كقوله: * (حب الحصيد) * (ق: 9) ومسجد الجامع على قول الكوفيين، والمعنى: وعدكم الوعد الحق، وعلى مذهب البصريين يكون التقدير وعد اليوم الحق أو الأمر الحق أو يكون التقدير وعدكم الحق. ثم ذكر المصدر تأكيدا.
البحث الثالث: في الآية إضمار من وجهين: الأول: أن التقدير إن الله وعدكم وعد الحق فصدقكم ووعدتكم فأخلفتكم وحذف ذلك لدلالة تلك الحالة على صدق ذلك الوعد، لأنهم كانوا يشاهدونها وليس وراء العيان بيان ولأنه ذكر في وعد الشيطان الإخلاف فدل ذلك على الصدق في وعد الله تعالى. الثاني: أن في قوله: * (ووعدتكم فأخلفتكم) * الوعد يقتضي مفعولا ثانيا وحذف ههنا للعلم به، والتقدير: ووعدتكم أن لا جنة ولا نار ولا حشر ولا حساب.
أما قوله: * (وما كان لي عليكم من سلطان) * أي قدرة ومكنة وتسلط وقهر فاقهركم على الكفر