وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أنه تعالى لما توعد من قبل من كذب الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: * (ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون) * أتبعه بما يؤكد الزجر وهو قوله تعالى: * (وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم) * في الهلاك والعذاب وإنما يقع فيه التقديم والتأخير فالذين تقدموا كان وقت هلاكهم في الكتاب معجلا، والذين تأخروا كان وقت هلاكهم في الكتاب مؤخرا وذلك نهاية في الزجر والتحذير.
المسألة الثانية: قال قوم المراد بهذا الهلاك عذاب الاستئصال الذي كان الله ينزله بالمكذبين المعاندين كما بينه في قوم نوح وقوم هود وغيرهم، وقال آخرون: المراد بهذا الهلاك الموت. قال القاضي: والأقرب ما تقدم، لأنه في الزجر أبلغ، فبين تعالى أن هذا الإمهال لا ينبغي أن يغتر به العاقل لأن العذاب مدخر، فإن لكل أمة وقتا معينا في نزول العذاب لا يتقدم ولا يتأخر وقال قوم آخرون: المراد بهذا الهلاك مجموع الأمرين وهو نزول عذاب الاستئصال ونزول الموت، لأن كل واحد منهما يشارك الآخر في كونه هلاكا، فوجب حمل اللفظ على القدر المشترك الذي يدخل فيه القسمان معا.
المسألة الثالثة: قال الفراء: لو لم تكن الواو مذكورة في قوله: * (ولها كتاب) * كان صوابا كما في آية أخرى وهي قوله: * (وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون) * (الشعراء: 208) وهو كما تقول: ما رأيت أحدا إلا وعليه ثياب وإن شئت قلت: إلا عليه ثياب.
أما قوله: * (ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: قال الواحدي: من في قوله: * (من أمة) * زائدة مؤكدة كقولك: ما جاءني من أحد، وقال آخرون: إنها ليست بزائدة لأنها تفيد التبعيض أي هذا الحكم لم يحصل في بعض من أبعاض هذه الحقيقة فيكون ذلك في إفادة عموم النفي آكد.
المسألة الثانية: قال صاحب " النظم " معنى سبق إذا كان واقعا على شخص كان معناه أنه جاز وخلف كقولك سبق زيد عمرا، أي جازه وخلفه وراءه، ومعناه أنه قصر عنه وما بلغه، وإذا كان واقعا على زمان كان بالعكس في ذلك، كقولك: سبق فلان عام كذا معناه مضى قبل إتيانه ولم يبلغه فقوله: * (ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون) * معناه أنه لا يحصل ذلك الأجل قبل ذلك الوقت ولا بعده، بل إنما يحصل في ذلك الوقت بعينه، والسبب فيه أن اختصاص كل حادث بوقته المعين دون الوقت الذي قبله أو بعده ليس على سبيل الاتفاق الواقع، لا عن مرجح ولا عن مخصص فإن