والمنفعة الثالثة: قوله: * (ومنها تأكلون) *.
فإن قيل: قوله: * (ومنها تأكلون) * يفيد الحصر وليس الأمر كذلك، فإنه قد يؤكل من غيرها، وأيضا منفعة الأكل مقدمة على منفعة اللبس، فلم أخر منفعته في الذكر؟
قلنا: الجواب عن الأول: إن الأكل منها هو الأصل الذي يعتمده الناس في معايشهم، وأما الأكل من غيرها كالدجاج والبط وصيد البر والبحر، فيشبه غير المعتاد. وكالجاري مجرى التفكه، ويحتمل أيضا أن غالب أطعمتكم منها لأنكم تحرثون بالبقر والحب والثمار التي تأكلونها منها، وأيضا تكتسبون باكراء الإبل وتنتفعون بألبانها ونتاجها وجلودها، وتشترون بها جميع أطعمتكم.
والجواب عن السؤال الثاني: أن الملبوس أكثر بقاء من المطعوم، فلهذا قدمه عليه في الذكر.
واعلم أن هذه المنافع الثلاثة هي المنافع الضرورية الحاصلة من الأنعام. وأما المنافع الحاصلة من الأنعام التي هي ليست بضرورية فأمور:
المنفعة الأولى: قوله تعالى: * (ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون) * الإراحة رد الإبل بالعشي إلى مراحها حيث تأوي إليه ليلا، ويقال: سرح القوم إبلهم سرحا إذا أخرجوها بالغداة إلى المرعى. قال أهل اللغة: هذه الإراحة أكثر ما تكون أيام الربيع إذا سقط الغيث وكثر الكلأ وخرجت العرب للنجعة، وأحسن ما يكون النعم في ذلك الوقت.
واعلم أن وجه التجمل بها أن الراعي إذا روحها بالعشي وسرحها بالغداة تزينت عند تلك الإراحة والتسريح الأفنية، وتجاوب فيها الثغاء والرغاء، وفرحت أربابها وعظم وقعهم عند الناس بسبب كونهم مالكين لها.
فإن قيل: لم قدمت الإراحة على التسريح؟
قلنا: لأن الجمال في الإراحة أكثر. لأنها تقبل ملأى البطون حافلة الضروع، ثم اجتمعت في الحظائر حاضرة لأهلها بخلاف التسريح، فإنها عند خروجها إلى المرعى تخرج جائعة عادمة اللبن ثم تأخذ في التفرق والانتشار، فظهر أن الجمال في الإراحة أكثر منه في التسريح.
والمنفعة الثانية: قوله: * (وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرؤوف رحيم) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: الأثقال جمع ثقل وهو متاع المسافر لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس. قال ابن عباس: يريد من مكة إلى المدينة. أو إلى اليمن. أو إلى الشام. أو إلى مصر. قال الواحدي: هذا قوله والمراد كل بلد لو تكلفتم بلوغه على غير إبل لشق عليكم وخص ابن عباس هذه البلاد، لأن