متاجر أهل مكة كانت إلى هذه البلاد، وقرئ: * (بشق الأنفس) * بكسر الشين وفتحها، وأكثر القراء على كسر الشين. والشق المشقة والشق نصف الشيء، وحمل اللفظ ههنا على كلا المعنيين جائز، فإن حملناه على المشقة كان المعنى: لم يكونوا بالغيه إلا بالمشقة، وإن حملناه على نصف الشيء كان المعنى: لم يكونوا بالغيه إلا عند ذهاب النصف من قوتكم أو من بدنكم ويرجع عند التحقيق إلى المشقة. ومن الناس من قال: المراد من قوله: * (والأنعام خلقها) * الإبل فقط بدليل أنه وصفها في آخر الآية بقوله * (وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه) * وهذا الوصف لا يليق إلا بالإبل.
قلنا: المقصود من هذه الآيات تعديد منافع الأنعام فبعض تلك المنافع حاصلة في الكل وبعضها مختص بالبعض، والدليل عليه: أن قوله: * (ولكم فيها جمال) * حاصل في البقر والغنم مثل حصوله في الإبل. والله أعلم.
المسألة الثانية: احتج منكرو كرامات الأولياء بهذه الآية فقالوا: هذه الآية تدل على أن الإنسان لا يمكنه الانتقال من بلد إلى بلد إلا بشق الأنفس؛ وحمل الأثقال على الجمال ومثبتو الكرامات يقولون: إن الأولياء قد ينتقلون من بلد إلى بلد آخر بعيد في ليلة واحدة من غير تعب وتحمل مشقة، فكان ذلك على خلاف هذه الآية فيكون باطلا، ولما بطل القول بالكرامات في هذه الصورة بطل القول بها في سائر الصور، لأنه لا قائل بالفرق.
وجوابه: أنا نخصص عموم هذه الآية بالأدلة الدالة على وقوع الكرمات. والله أعلم.
قوله تعالى * (والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون) * اعلم أنه تعالى لما ذكر منافع الحيوانات التي ينتفع الإنسان بها في المنافع الضرورية والحاجات الأصلية، ذكر بعده منافع الحيوانات التي ينتفع بها الإنسان في المنافع التي ليست بضرورية، فقال: * (والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة) * وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قوله: * (والخيل والبغال والحمير) * عطف على الأنعام، أي وخلق الأنعام لكذا وكذا، وخلق هذه الأشياء للركوب. وقوله: * (وزينة) * أي وخلقها زينة، ونظيره قوله تعالى: * (زينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا) * (فصلت: 12) المعنى: وحفظناها حفظا. قال الزجاج: نصب قوله: * (وزينة) * على أنه مفعول له. والمعنى: وخالقها للزينة.
المسألة الثانية: احتج القائلون بتحريم لحوم الخيل بهذه الآية. فقالوا منفعة الأكل أعظم