وأما قوله: * (وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له) * فقد احتج أصحابنا به على أن العبد غير مستقل في الفعل. قالوا: وذلك لأنه إذا كفر العبد فلا شك أنه تعالى يحكم بكونه مستحقا للذم في الدنيا والعقاب في الآخرة، فلو كان العبد مستقلا بتحصيل الإيمان لكان قادرا على رد ما أراده الله تعالى، وحينئذ يبطل قوله: * (وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له) * فثبت أن الآية السابقة وإن أشعرت بمذهبهم، إلا أن هذه الآية من أقوى الدلائل على مذهبنا. قال الضحاك عن ابن عباس: لم تغن المعقبات شيئا، وقال عطاء عنه: لا راد لعذابي ولا ناقض لحكمي: * (وما لهم من دونه من وال) * أي ليس لهم من دون الله من يتولاهم، ويمنع قضاء الله عنهم، والمعنى: ما لهم وال يلي أمرهم، ويمنع العذاب عنهم.
* (هو الذى يريكم البرق خوفا وطمعا وينشىء السحاب الثقال * ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشآء وهم يجادلون فى الله وهو شديد المحال) * اعلم أنه تعالى لما خوف العباد بإنزال ما لا مرد له أتبعه بذكر هذه الآيات وهي مشتملة على أمور ثلاثة، وذلك لأنها دلائل على قدرة الله تعالى وحكمته، وأنها تشبه النعم والإحسان من بعض الوجوه، وتشبه العذاب والقهر من بعض الوجوه.
واعلم أنه تعالى ذكر ههنا أمورا أربعة. الأول: البرق وهو قوله تعالى: * (يريكم البرق خوفا وطمعا) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قال صاحب " الكشاف " في انتصاب قوله: * (خوفا وطمعا) * وجوه. الأول: لا يصح أن يكونا مفعولا لهما لأنهما ليسا بفعل فاعل الفعل المعلل إلا على تقدير حذف المضاف أي إرادة خوف وطمع أو على معنى إخافة وإطماعا. الثاني: يجوز أن يكونا منتصبين على الحال من البرق كأنه في نفسه خوف وطمع والتقدير: ذا خوف وذا طمع أو على معنى إيخافا وإطماعا. الثالث: أن يكونا حالا من المخاطبين أي خائفين وطامعين.