مرتبة من البشر ولو كانوا أقل مرتبة من البشر لما كان دخولهم عليهم لأجل السلام والتحية موجبا علو درجاتهم وشرف مراتبهم، ألا ترى أن من عاد من سفره إلى بيته فإذا قيل في معرض كمال مرتبته أنه يزوره الأمير والوزير والقاضي والمفتي، فهذا يدل على أن درجة ذلك المزور أقل وأدنى من درجات الزائرين فكذلك ههنا.
المسألة الثالثة: قال الزجاج: ههنا محذوف تقديره الملائكة يدخلون عليهم من كل باب ويقولون سلام عليكم فأضمر القول ههنا لأن في الكلام دليلا عليه، وأما قوله: * (بما صبرتم فنعم عقبى الدار) * ففيه وجهان: أحدهما: أنه متعلق بالسلام. والمعنى أنه إنما حصلت لكم هذه السلامة بواسطة صبركم على الطاعات، وترك المحرمات. والثاني: أنه متعلق بمحذوف، والتقدير: أن هذه الكرامات التي ترونها، وهذه الخيرات التي تشاهدونها إنما حصلت بواسطة ذلك الصبر.
قوله تعالى (والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاق ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) اعلم أنه تعالى لما ذكر صفات السعداء وذكر ما ترتب عليها من الأحوال الشريفة العالية أتبعها بذكر حال الأشقياء، وذكر ما يترتب عليها من الأحوال المخزية المكروهة، وأتبع الوعد بالوعيد والثواب بالعقاب، ليكون البيان كاملا فقال (والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه) وقد بينا أن عهد الله ما ألزم عباده بواسطة الدلائل العقلية والسمعية لأنها أو كد من كل عهد وكل يمين إذ الايمان انما تقيد التوكيد بواسطة الدلائل الدالة على أنها توجب الوفاء بمقتضاها، والمراد من نقض هذه العهود أن لا ينظر المرء في الأدلة أصلا، فحينئذ لا يمكنه العمل بموجبها أو بأن ينظر فيها ويعلم صحتها ثم يعاند فلا يعمل بعلمه أو بأن ينظر في الشبهة فيعتقد خلاف الحق والمرد من قوله (من بعد ميثاقه) أي من بعد أن وثق الله تلك الأدلة وأحكمها، لأنه لا شئ أقوى مما دل الله على وجوبه في أنه ينفع فعله ويضر تركه.
فان قيل: إذا كان العهد لا يكون إلا مع الميثاق فما فائدة اشتراطه تعالى بقوله (من بعد ميثاقه) قلنا: لا يمتنع أن يكون المراد بالعهد هو ما كلف الله العبد، والمراد بالميثاق الأدلة المؤكدة