في الخير والشر، وقيل في معنى: * (قدرنا) * كتبنا. قال الزجاج: دبرنا. وقيل: قضينا، والكل متقارب.
المسألة الثانية: قرأ أبو بكر عن عاصم * (قدرنا) * بتخفيف الدال ههنا وفي النمل. وقرى الباقون فيهما بالتشديد. قال الواحدي يقال: قدرت الشيء وقدرته، ومنه قراءة ابن كثير: * (نحن قدرنا بينكم الموت) * (الواقعة: 60) خفيفا، وقراءة الكسائي: * (والذي قدر فهدى) * ثم قال: والمشددة في هذا المعنى أكثر استعمالا لقوله تعالى؛ * (وقدر فيها أقواتها) * (فصلت: 10) وقوله: * (وخلق كل شيء فقدره تقديرا) *.
المسألة الثالثة: لقائل أن يقول: لم أسند الملائكة فعل التقدير إلى أنفسهم مع أنه لله تعالى، ولم لم يقولوا: قدر الله تعالى؟
والجواب: إنما ذكروا هذه العبارة لما لهم من القرب والاختصاص بالله تعالى كما يقول خاصة الملك دبرنا كذا وأمرنا بكذا والمدبر والآمر هو الملك لا هم، وإنما يريدون بذكر هذا الكلام إظهار ما لهم من الاختصاص بذلك الملك، فكذا ههنا والله أعلم.
المسألة الرابعة: قوله؛ * (إنها لمن الغابرين) * في موضع مفعول التقدير قضينا أنها تتخلف وتبقى مع من يبقى حتى تهلك كما يهلكون. ولا تكون ممن يبقى مع لوط فتصل إلى النجاة والله أعلم.
* (فلما جآء ءال لوط المرسلون * قال إنكم قوم منكرون * قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون * وآتيناك بالحق وإنا لصادقون) * اعلم أن الملائكة لما بشروا إبراهيم بالولد وأخبروه بأنهم مرسلون لعذاب قوم مجرمين ذهبوا بعد ذلك إلى لوط وإلى آله، وأن لوط وقومه ما عرفوا أنهم ملائكة الله، فلهذا قال لهم: * (إنكم قوم منكرون) * وفي تأويله وجوه: الأول: أنه إنما وصفهم بأنهم منكرون، لأنه عليه الصلاة والسلام ما عرفهم، فلما هجموا عليه استنكر منهم ذلك وخاف أنهم دخلوا عليه لأجل شر يوصلونه إليه، فقال هذه الكلمة. والثاني: أنهم كانوا شبابا مردا حسان الوجوه، فخاف أن يهجم قومه عليه بسبب طلبهم فقال هذه الكلمة. والثالث: أن النكرة ضد المعرفة فقوله: * (إنكم قوم منكرون) * أي لا أعرفكم، ولا أعرف أنكم من أي الأقوام، ولأي غرض دخلتم علي، فعند هذه الكلمة قالت الملائكة، بل جئناك بما كانوا فيه يمترون، أي بالعذاب الذي كانوا يشكون في نزوله، ثم أكدوا