قوله تعالى * (وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شىء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سوآء علينآ أجزعنآ أم صبرنا ما لنا من محيص) * اعلم أنه تعالى لما ذكر أصناف عذاب هؤلاء الكفار ثم ذكر عقيبه أن أعمالهم تصير محبطة باطلة، ذكر في هذه الآية كيفية خجالتهم عند تمسك أتباعهم وكيفية افتضاحهم عندهم. وهذا إشارة إلى العذاب الروحاني الحاصل بسبب الفضيحة والخجالة، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: برز معناه في اللغة ظهر بعد الخفاء. ومنه يقال للمكان الواسع: البراز لظهوره، وقيل في قوله: * (وترى الأرض بارزة) * (الكهف: 47) أي ظاهرة لا يسترها شيء، وامرأة برزة إذا كانت تظهر للناس. ويقال: برز فلان على أقرانه إذا فاقهم وسبقهم، وأصله في الخيل إذا سبق أحدها. قيل: برز عليها كأنه خرج من غمارها فظهر.
إذا عرفت هذا فنقول: ههنا أبحاث:
البحث الأول: قوله: * (وبرزوا) * ورد بلفظ الماضي وإن كان معناه الاستقبال، لأن كل ما أخبر الله تعالى عنه فهو صدق وحق، فصار كأنه قد حصل ودخل في الوجود ونظيره قوله: * (ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة) * (الأعراف: 50).
البحث الثاني: قد ذكرنا أن البروز في اللغة عبارة عن الظهور بعد الاستتار وهذا في حق الله تعالى محال، فلا بد فيه من التأويل وهو من وجوه: الأول: أنهم كانوا يستترون من العيون عند ارتكاب الفواحش ويظنون أن ذلك خاف على الله تعالى، فإذا كان يوم القيامة انكشفوا لله تعالى عند أنفسهم وعلموا أن الله لا يخفى عليه خافية. الثاني: أنهم خرجوا من قبورهم فبرزوا لحساب الله وحكمه. الثالث: وهو تأويل الحكماء أن النفس إذا فارقت الجسد فكأنه زال الغطاء والوطاء وبقيت متجردة بذاتها عارية عن كل ما سواها وذلك هو البروز لله.