المسألة الأولى: " ما " في قوله: * (إني كفرت بما أشركتموني من قبل) * فيه قولان: الأول: إنها مصدرية والمعنى: كفرت بإشراككم إياي مع الله تعالى في الطاعة، والمعنى: أنه جحد ما كان يعتقده أولئك الأتباع من كون إبليس شريكا لله تعالى في تدبير هذا العالم وكفر به، أو يكون المعنى أنهم كانوا يطيعون الشيطان في أعمال الشر كما كانوا قد يطيعون الله في أعمال الخير وهذا هو المراد بالإشراك. والثاني: وهو قول الفراء أن المعنى أن إبليس قال: إني كفرت بالله الذي أشركتموني به من قبل كفركم، والمعنى: أنه كان كفره قبل كفر أولئك الأتباع ويكون المراد بقوله: (ما) في هذا الموضع " من " والقول هو الأول، لأن الكلام إنما ينتظم بالتفسير الأول، ويمكن أن يقال أيضا الكلام منتظم على التفسير الثاني، والتقدير كأنه يقول: لا تأثير لوسوستي في كفركم بدليل أني كفرت قبل أن وقعتم في الكفر وما كان كفري بسبب وسوسة أخرى وإلا لزم التسلسل فثبت بهذا أن سبب الوقوع في الكفر شيء آخر سوى الوسوسة، وعلى هذا التقدير ينتظم الكلام.
أما قوله: * (إن الظالمين لهم عذاب أليم) * فالأظهر أنه كلام الله عز وجل وأن كلام إبليس تم قبل هذا الكلام، ولا يبعد أيضا أن يكون ذلك من بقية كلام إبليس قطعا لأطماع أولئك الكفار عن الإعانة والإغاثة، والله أعلم.
* (وأدخل الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: اعلم أنه تعالى لما بالغ في شرح أحوال الأشقياء من الوجوه الكثيرة، شرح أحوال السعداء، وقد عرفت أن الثواب يجب أن يكون منفعة خالصة دائمة مقرونة بالتعظيم، فالمنفعة الخالصة إليها الإشارة بقوله تعالى: * (وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار) * وكونها دائمة أشير إليه بقوله: * (خالدين فيها) * والتعظيم حصل من وجهين: أحدهما: أن تلك المنافع إنما حصلت بإذن الله تعالى وأمره. والثاني: قوله: * (تحيتهم فيها سلام) * لأن بعضهم يحيي بعضا بهذه الكلمة، والملائكة يحيونهم بها كما قال: * (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام