الكثيرة فأنت الذي أخذتها وأنا الذي أعطيتها، فحصل لك عند أخذها وصفان: وهما كونك ظلوما كفارا، ولي وصفان عند إعطائها وهما كوني غفورا رحيما، والمقصود كأنه يقول: إن كنت ظلوما فأنا غفور، وإن كنت كفارا فأنا رحيم أعلم عجزك وقصورك فلا أقابل تقصيرك إلا بالتوفير ولا أجازي جفاء إلا بالوفاء، ونسأل الله حسن العاقبة والرحمة.
قوله تعالى * (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبنى وبنى أن نعبد الاصنام * رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعنى فإنه منى ومن عصانى فإنك غفور رحيم) * اعلم أنه تعالى لما بين بالدلائل المتقدمة أنه لا معبود إلا الله سبحانه وأنه لا يجوز عبادة غيره تعالى البتة حكى عن إبراهيم عليه السلام مبالغته في إنكار عبادة الأوثان.
واعلم أنه تعالى حكى عن إبراهيم عليه السلام أنه طلب من الله أشياء: أحدها: قوله: * (رب اجعل هذا البلد آمنا) * والمراد: مكة آمنا ذا أمن.
فإن قيل: أي فرق بين قوله: (اجعل هذا بلدا آمنا) وبين قوله: * (اجعل هذا البلد آمنا) *.
قلنا: سأل في الأول أن يجعله من جملة البلاد التي يأمن أهلها فلا يخافون، وفي الثاني: أن يزيل عنها الصفة التي كانت حاصلة لها، وهي الخوف، ويحصل لها ضد تلك الصفة وهو الأمن كأنه قال هو بلد مخوف فاجعله آمنا، وقد تقدم تفسيره في سورة البقرة. وثانيها: قوله: * (واجنبني وبني أن نعبد الأصنام) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قرىء * (واجنبني) * وفيه ثلاث لغات جنبه واجنبه وجنبه. قال الفراء: أهل الحجاز يقول جنبني يجبني بالتخفيف. وأهل نجد يقولون جنبني شره وأجنبني شره، وأصله جعل الشيء عن غيره على جانب وناحية.
المسألة الثانية: لقائل أن يقول: الإشكال على هذه الآية من وجوه: أحدها: أن إبراهيم عليه السلام دعا ربه أن يجعل مكة آمنا، وما قبل الله دعاءه، لأن جماعة خربوا الكعبة وأغاروا على