وهو كقوله تعالى) * (فأوقد لي يا هامان على الطين) * (القصص: 38) والثاني: أن يوقد على الشيء ويكون ذلك الشيء في النار فإن من أراد تذويب الأجساد السبعة جعلها في النار، فلهذا السبب قال ههنا: * (ومما يوقدون عليه في النار) *.
البحث الثالث: في قوله: * (ابتغاء حلية) * قال أهل المعاني: الذي يوقد عليه لابتغاء حلية الذهب والفضة، والذي يوقد عليه لابتغاء الأمتعة الحديد والنحاس والرصاص، والأسرب يتخذ منها الأواني والأشياء التي ينتفع بها، والمتاع كل ما يتمتع به وقوله: * (زبد مثله) * أي زبد مثل زبد الماء الذي يحمله السيل.
ثم قال تعالى: * (وكذلك يضرب الله الحق والباطل) * والمعنى كذلك يضرب الله الأمثال للحق والباطل. ثم قال: * (أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس) * قال الفراء: الجفاء الرمي والاطراح يقال: جفا الوادي غثاءه يجفوه جفاء إذا رماه، والجفاء اسم للمجتمع منه المنضم بعضه إلى بعض وموضع جفاء نصب على الحال، والمعنى: أن الزبد قد يعلو على وجه الماء ويربو وينتفخ إلا أنه بالآخرة يضمحل ويبقى الجوهر الصافي من الماء ومن الأجساد السبعة، فكذلك الشبهات والخيالات قد تقوى وتعظم إلا أنها بالآخرة تبطل وتضمحل وتزول ويبقى الحق ظاهرا لا يشوبه شيء من الشبهات، وفي قراءة رؤبة بن العجاج جفالا، وعن أبي حاتم لا يقرأ بقراءة رؤبة لأنه كان يأكل الفار.
أما قوله تعالى: * (للذين استجابوا لربهم الحسنى) * ففيه وجهان: الأول: أنه تم الكلام عند قوله: * (كذلك يضرب الله الأمثال) * ثم استأنف الكلام بقوله: * (للذين استجابوا لربهم الحسنى) * ومحله الرفع بالابتداء وللذين خبره وتقديره لهم الخصلة الحسنى والحالة الحسنى. الثاني: أنه متصل بما قبله والتقدير: كأنه قال الذي يبقى هو مثل المستجيب والذي يذهب جفاء مثل من لا يستجيب ثم بين الوجه في كونه مثلا وهو أنه لمن يستجيب الحسنى وهو الجنة، ولمن لا يستجيب أنواع الحسرة والعقوبة، وفيه وجه آخر وهو أن يكون التقدير: كذلك يضرب الله الأمثال للذين استجابوا لربهم الاستجابة الحسنى، فيكون الحسنى صفة لمصدر محذوف.
واعلم أنه تعالى ذكر ههنا أحوال السعداء وأحوال الأشقياء، أما أحوال السعداء فهي قوله: * (للذين استجابوا لربهم الحسنى) * والمعنى أن الذين أجابوه إلى ما دعاهم إليه من التوحيد والعدل والنبوة وبعث الرسل والتزام الشرائع الواردة على لسان رسوله فلهم الحسنى. قال ابن عباس: الجنة، وقال أهل المعاني: الحسنى هي المنفعة العظمى في الحسن، وهي المنفعة الخالصة عن شوائب المضرة