ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم فكيف على مشيئته الالجاء، وتارة يحلمون الهداية على الهداية إلى طريق الجنة، وفيهم من يجرى الكلام على الظاهر، ويقول إنه تعالى ما شاء الله هداية جميع الناس لأنه ما شاء هداية الأطفال والمجانين فلا يكون شائيا لهداية جميع الناس. والكلام في هذه المسألة قد سبق مرارا.
أما قوله تعالى (ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم) ففيه مسألتان:
(المسألة الأولى) قوله (الذين كفروا) فيه قولان:
(القول الأول) قيل: أراد به جميع الكفار لان الوقائع الشديدة التي وقعت لبعض الكفار من القتل والسبي أوجب حصول الغم في قلب الكل، وقيل: أراد بعض الكفار وهم جماعة معينون والألف واللام في لفظ الكفار للمعود السابق وهو ذلك الجمع المعين.
(المسألة الثانية) في الآية وجهان: الأول: ولا يزال كفروا تصيبهم بما صنعوا من كفرهم وسوء أعمالهم قارعة داهية بما يحل الله بهم في كل وقت من صنوف البلايا والمصائب في نفوسهم وأولادهم وأموالهم، أو تحل القارعة قريبا منهم، فيفزعون ويضطربون ويتطاير إليهم شرارها ويتعدى إليهم شرورها حتى يأتي وعد الله وهو موتهم أو القيامة.
(والقول الثاني) ولا يزال كفار مكة تصيبهم بما صنعوا برسول الله صلى الله عليه وسلم من العداوة والتكذيب قارعة، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يزال يبعث السرايا فتغير حول مكة وتختطف منهم وتصيب مواشيهم، أو تحل أنت يا محمد قريبان من دارهم بجيشك كما حل بالحديبية حتى يأتي وعد الله وهو فتح مكة، وكان الله قد وعده ذلك.
ثم قال (إن الله لا يخلف الميعاد) والغرض منه تقوية قلب الرسول صلى الله عليه وسلم وإزالة الحزن عنه. قال القاضي: وهذا يدل على بطلان قول من يجوز الخلف على الله تعالى ميعاده، وهذه الآية وإن كانت واردة في حق الكفار إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، إذ بعمومه يتناول وكل وعيد ورد في حق الفساق.
وجوابنا: أن الخلف غير، وتخصيص العموم غير، ونحن لا نقول بالخلف، ولكنا نخصص عمومات الوعيد بالآيات الدالة على العفو.
قوله تعالى (ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم فكيف كان