سواء أريناك ذلك أو توفيناك قبل ظهوره، فالواجب عليك تبليغ أحكام الله تعالى وأداء أمانته ورسالته وعلينا الحساب. والبلاغ اسم أقيم مقام التبليغ كالسراج والأداء.
قوله تعالى * (أو لم يروا أنا نأتى الارض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب * وقد مكر الذين من قبلهم فلله المكر جميعا يعلم ما تكسب كل نفس وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار) * اعلم أنه تعالى لما وعد رسوله بأن يريه بعض ما وعدوه أو يتوفاه قبل ذلك، بين في هذه الآية أن آثار حصول تلك المواعيد وعلاماتها قد ظهرت وقويت. وقوله: * (أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) * فيه أقوال:
القول الأول: المراد أنا نأتي أرض الكفرة ننقصها من أطرافها وذلك لأن المسلمين يستولون على أطراف مكة ويأخذونها من الكفرة قهرا وجبرا فانتقاص أحوال الكفرة وازدياد قوة المسلمين من أقوى العلامات والأمارات على أن الله تعالى ينجز وعده. ونظيره قوله تعالى: * (أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون) * (الأنبياء: 44) وقوله: * (سنريهم آياتنا في الآفاق) * (فصلت: 53).
والقول الثاني: وهو أيضا منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما أن قوله: * (ننقصها من أطرافها) * المراد: موت أشرافها وكبرائها وعلمائها وذهاب الصلحاء والأخيار، وقال الواحدي: وهذا القول وإن احتمله اللفظ إلا أن اللائق بهذا الموضع هو الوجه الأول. ويمكن أن يقال هذا الوجه أيضا لا يليق بهذا الموضع، وتقريره أن يقال: أولم يروا ما يحدث في الدنيا من الاختلافات خراب بعد عمارة، وموت بعد حياة، وذل بعد عز، ونقص بعد كمال، وإذا كانت هذه التغيرات مشاهدة محسوسة فما الذي يؤمنهم من أن يقلب الله الأمر على هؤلاء الكفرة فيجعلهم ذليلين بعد أن كانوا عزيزين، ويجعلهم مقهورين بعد أن كانوا قاهرين، وعلى هذا الوجه فيحسن اتصال هذا الكلام بما قبله، وقيل: * (ننقصها من أطرافها) * بموت أهلها وتخريب ديارهم وبلادهم فهؤلاء الكفرة