والمقابلة، فكأن المعنى: أنه تعالى شديد المغالبة، وللمفسرين ههنا عبارات فقال مجاهد وقتادة: شديد القوة، وقال أبو عبيدة: شديد العقوبة، وقال الحسن: شديد النقمة، وقال ابن عباس: شديد الحول. الثالث: قال ابن عرفة: يقال ماحل عن أمره أي جادل، فقوله: * (شديد المحال) * أي شديد الجدال. الرابع: روي عن بعضهم: * (شديد المحال) * أي شديد الحقد. قالوا: هذا لا يصح، لأن الحقد لا يمكن في حق الله تعالى، إلا أنا قد ذكرنا في هذا الكتاب أن أمثال هذه الألفاظ إذا وردت في حق الله تعالى فإنها تحصل على نهايات الأعراض لا على مبادئ الأعراض، فالمراد بالحقد ههنا هو أنه تعالى يريد إيصال الشر إليه مع أنه يخفي عنه تلك الإرادة.
* (له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشىء إلا كباسط كفيه إلى المآء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعآء الكافرين إلا فى ضلال) * اعلم أن قوله: * (له دعوة الحق) * أي لله دعوة الحق، وفيه بحثان:
البحث الأول: في أقوال المفسرين وهي أمور: أحدها: ما روى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: * (دعوة الحق) * قول لا إله إلا الله. وثانيها: قول الحسن: إن الله هو الحق، فدعاؤه هو الحق، كأنه يومئ إلى أن الانقطاع إليه في الدعاء هو الحق. وثالثها: أن عبادته هي الحق والصدق.
واعلم أن الحق هو الموجود، والموجود قسمان: قسم يقبل العدم وهو حق يمكن أن يصير باطلا وقسم لا يقبل العدم فلا يمكن أن يصير باطلا وذلك هو الحق الحقيقي، وإذا كان واجب الوجود لذاته موجودا لا يقبل العدم كان أحق الموجودات بأن يكون حقا هو هو وكان أحق الاعتقادات وأحق الأذكار بأن يكون حقا هو اعتقاد ثبوته وذكر وجوده، فثبت بهذا أن وجوده هو الحق في الموجودات واعتقاد وجوده هو الحق في الاعتقادات. وذكره بالثناء والإلهية والكمال هو الحق في الأذكار فلهذا قال: * (له دعوة الحق) *.