وأما الثالث: وهو أن يشتمل على الجهتين إلا أن جانب الله يكون راجحا، فهذا يرجى أن يكون من المخلصين، لأن المثل يقابله المثل. فيبقى القدر الزائد خالصا عن الشوب.
وأما الرابع والخامس: فظاهر أنه ليس من المخلصين في حق الله تعالى، والحاصل أن القسم الأول: إخلاص في حق الله تعالى قطعا. والقسم الثاني: يرجى من فضل الله أن يجعله من قسم الإخلاص وأما سائر الأقسام فهو خارج عن الإخلاص قطعا والله أعلم.
أما قوله تعالى: * (قال هذا صراط علي مستقيم) * ففيه وجوه: الأول: أن إبليس لما قال: * (إلا عبادك منهم المخلصين) * فلفظ المخلص يدل على الإخلاص، فقوله هذا عائد إلى الإخلاص، والمعنى: أن الإخلاص طريق علي وإلي، أي أنه يؤدي إلى كرامتي وثوابي، وقال الحسن: معناه هذا صراط إلي مستقيم، وقال آخرون: هذا صراط من مر عليه، فكأنه مر علي وعلى رضواني وكرامتي وهو كما يقال: طريقك علي. الثاني: أن الإخلاص طريق العبودية فقوله: * (هذا صراط علي مستقيم) * أي هذا الطريق في العبودية طريق علي مستقيم. الثالث: قال بعضهم: لما ذكر إبليس أنه يغوي بني آدم إلا من عصمه الله بتوفيقه تضمن هذا الكلام تفويض الأمور إلى الله تعالى وإلى إرادته فقال تعالى: * (هذا صراط علي) * أي تفويض الأمور إلى إرادتي ومشيئتي طريق علي مستقيم. الرابع: معناه: هذا صراط علي تقريره وتأكيده، وهو مستقيم حق وصدق، وقرأ يعقوب: * (صراط علي) * بالرفع والتنوين على أنه صفة لقوله: * (صراط) * أي هو علي بمعنى أنه رفيع مستقيم لا عوج فيه. قال الواحدي: معناه أن طريق التفويض إلى الله تعالى والإيمان بقضاء الله طريق رفيع مستقيم.
قوله تعالى * (إن عبادى ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين * وإن جهنم لموعدهم أجمعين * لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم) * اعلم أن إبليس لما قال: * (لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين) * أوهم هذا الكلام أن له سلطانا على عباد الله الذين يكونون من المخلصين، فبين تعالى في هذه الآية أنه ليس له سلطان على أحد من عبيد الله سواء كانوا مخلصين أو لم يكونوا مخلصين، بل من اتبع منهم