القول الأول: أن قوله: * (فظلوا فيه يعرجون) * من صفة المشركين. قال ابن عباس رضي الله عنهما: لو ظل المشركون يصعدون في تلك المعارج وينظرون إلى ملكوت الله تعالى وقدرته وسلطانه، وإلى عبادة الملائكة الذين هم من خشيته مشفقون لشكوا في تلك الرؤية وبقوا مصرين على كفرهم وجهلهم كما جحدوا سائر المعجزات من انشقاق القمر وما خص به النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن المعجز الذي لا يستطيع الجن والإنس أن يأتوا بمثله.
القول الثاني: أن هذه العروج للملائكة، والمعنى: أنه تعالى لو جعل هؤلاء الكفار بحيث يروا أبوابا من السماء مفتوحة وتصعد منها الملائكة وتنزل لصرفوا ذلك عن وجهه، ولقالوا: إن السحرة سحرونا وجعلونا بحيث نشاهد هذه الأباطيل التي لا حقيقة لها وقوله: * (لقالوا إنما سكرت أبصارنا) * فيه مسألتان:
المسألة الأولى: قرأ ابن كثير * (سكرت) * بالتخفيف، والباقون مشددة الكاف قال الواحدي سكرت غشيت وسددت بالسحر هذا قول أهل اللغة قالوا: وأصله من السكر وهو سد الشق لئلا ينفجر الماء، فكأن هذه الأبصار منعت من النظر كما يمنع السكر الماء من الجري، والتشديد يوجب زيادة وتكثيرا وقال أبو عمرو بن العلاء: هو مأخوذ من سكر الشراب يعني أن الأبصار حارت ووقع بها من فساد النظر مثل ما يقع بالرجل السكران من تغير العقل فإذا كان هذا معنى التخفيف فسكرت بالتشديد يراد به وقوع هذا الأمر مرة بعد أخرى، وقال أبو عبيدة: * (سكرت أبصارنا) * أي غشيت أبصارنا فوجب سكونها وبطلانها، وعلى هذا القول أصله من السكون يقال: سكرت الريح سكرا إذا سكنت وسكر الحر يسكر وليلة ساكرة لا ريح فيها وقال أوس: جذلت على ليلة ساهرة * فليست بطلق ولا ساكره ويقال: سكرت عينه سكرا إذا تحيرت وسكنت عن النظر وعلى هذا معنى سكرت أبصارنا، أي سكنت عن النظر وهذا القول اختيار الزجاج. وقال أبو علي الفارسي: سكرت صارت بحيث لا ينفذ نورها ولا تدرك الأشياء على حقائقها، وكان معنى السكر قطع الشيء عن سننه الجاري، فمن ذلك تسكير الماء وهو رده عن سننه في الجرية، والسكر في الشراب هو أن ينقطع عما كان عليه من المضاء في حال الصحو فلا ينفذ رأيه على حد نفاذه في الصحو، فهذه أقوال أربعة في تفسير * (سكرت) * وهي في الحقيقة متقاربة، والله أعلم.
المسألة الثانية: قال الجبائي: من جوز قدرة السحرة على أن يأخذوا بأعين الناس حتى يروهم الشيء على خلاف ما هو عليه لم يصح إيمانه بالأنبياء والرسل، وذلك لأنهم إذا جوزوا ذلك فلعل