قلنا: كأنهم قالوا إما أن نكون كافرين برسالتكم أو أن ندع هذا الجزم واليقين فلا أقل من أن نكون شاكين مرتابين في صحة نبوتكم، وعلى التقديرين فلا سبيل إلى الاعتراف بنبوتكم والله أعلم.
قوله تعالى * (قالت رسلهم أفى الله شك فاطر السماوات والارض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد ءابآؤنا فأتونا بسلطان مبين) * اعلم أن أولئك الكفار لما قالوا للرسل * (وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب) * (إبراهيم: 9). قالت رسلهم: وهل تشكون في الله، وفي كونه فاطر السماوات والأرض وفاطرا لأنفسنا وأرواحنا وأرزاقنا وجميع مصالحنا وإنا لا ندعوكم إلا إلى عبادة هذا الإله المنعم ولا نمنعكم إلا عن عبادة غيره وهذه المعاني يشهد صريح العقل بصحتها، فكيف قلتم: وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب؟ وهذا النظم في غاية الحسن. وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قوله: * (أفي الله شك) * استفهام على سبيل الإنكار، فلما ذكر هذا المعنى أردفه بالدلالة الدالة على وجود الصانع المختار، وهو قوله: * (فاطر السماوات والأرض) * وقد ذكرنا في هذا الكتاب أن وجود السماوات والأرض كيف يدل على احتياجه إلى الصانع المختار الحكيم مرارا وأطوارا فلا نعيدها ههنا.
المسألة الثانية: قال صاحب " الكشاف ": أدخلت همزة الإنكار على الظرف، لأن الكلام ليس في الشك إنما هو في أن وجود الله تعالى لا يحتمل الشك، وأقول من الناس من ذهب إلى أنه قبل الوقوف على الدلائل الدقيقة فالفطرة شاهدة بوجود الصانع المختار، ويدل على أن الفطرة الأولية شاهدة بذلك وجوه:
الوجه الأول: قال بعض العقلاء: إن من لطم على وجه صبي لطمة فتلك اللطمة تدل على