أخبرتهم وذكر تعالى في الآية أن ضيف إبراهيم عليه السلام بشروه بالولد بعد الكبر. وبانجاء المؤمنين من قوم لوط من العذاب وأخبروه أيضا بأنه تعالى سيعذب الكفار من قوم لوط بعذاب الاستئصال، وكل ذلك يقوي ما ذكره من أنه غفور رحيم للمؤمنين، وأن عذابه عذاب أليم في حق الكفار.
المسألة الثانية: الضيف في الأصل مصدر ضاف يضيف إذا أتى إنسانا لطلب القرى، ثم سمى به، ولذلك وحد في اللفظ وهم جماعة.
فإن قيل: كيف سماهم ضيفا مع امتناعهم عن الأكل؟
قلنا: لما ظن إبراهيم أنهم إنما دخلوا عليه لطلب الضيافة جاز تسميتهم بذلك. وقيل أيضا: إن من يدخل دار الإنسان ويلتجئ إليه يسمى ضيفا وإن لم يأكل، وقوله تعالى: * (إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما) * أي نسلم عليك سلاما أو سلمت سلاما، فقال إبراهيم: * (إنا منكم وجلون) * أي خائفون، وكان خوفه لامتناعهم من الأكل. وقيل: لأنهم دخلوا عليه بغير إذن وبغير وقت وقرأ الحسن: * (لا توجل) * بضم التاء من أوجله يوجله إذا أخافه. وقرئ لا تأجل ولا تواجل من واجله بمعنى أو جله، وهذه القصة قد مر ذكرها بالاستقصاء في سورة هود. وقوله: * (قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم) * فيه أبحاث:
البحث الأول: قرأ حمزة: * (إنا نبشرك) * بفتح النون، وتخفيف الباء، والباقون: * (نبشرك) * بالتشديد.
البحث الثاني: قوله: * (إن نبشرك) * استئناف في معنى التعليل للنهي عن الوجل، والمعنى: أنك بمثابة الآمن المبشر فلا توجل.
البحث الثالث: قوله: * (إنا نبشرك بغلام عليم) * بشروه بأمرين: أحدهما: أن الولد ذكر والآخر أنه يصير عليما، واختلفوا في تفسير العليم، فقيل: بشروه بنبوته بعده. وقيل: بشروه بأنه عليم بالدين. ثم حكى الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام أنه قال: أبشرتموني على أن مسني الكبر فيم تبشرون، فمعنى: * (على) * ههنا للحال أي حالة الكبر، وقوله: * (فيم تبشرون) * فيه مسألتان:
المسألة الأولى: لفظ ما ههنا استفهام بمعنى التعجب كأنه قال: بأي أعجوبة تبشروني؟
فإن قيل: في الآية إشكالان: الأول: أنه كيف استبعد قدرة الله تعالى على خلق الولد منه في زمان الكبر وإنكار قدرة الله تعالى في هذا الموضع كفر. الثاني: كيف قال: * (فيم تبشرون) * مع أنهم قد بينوا ما بشروه به، وما فائدة هذا الاستفهام. قال القاضي: أحسن ما قيل في الجواب عن