الموعود، وهذا هو المراد بقوله تعالى: * (ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب) * (العنكبوت: 53) ثم إنه تعالى أجاب عن هذه الشبهة بقوله: * (ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين) * فنقول: إن كان المراد من قولهم: * (لو ما تأتينا بالملائكة) * هو الوجه الأول، كان تقرير هذا الجواب أن إنزال الملائكة لا يكون إلا بالحق وعند حصول الفائدة، وقد علم الله تعالى من حال هؤلاء الكفار أنه لو أنزل عليهم الملائكة لبقوا مصرين على كفرهم، وعلى هذا التقرير فيصير إنزالهم عبثا باطلا، ولا يكون حقا، فلهذا السبب ما أنزلهم الله تعالى، وقال المفسرون: المراد بالحق ههنا الموت، والمعنى: أنهم لا ينزلون إلا بالموت، وإلا بعذاب الاستئصال، ولم يبق بعد نزولهم إنظار ولا إمهال، ونحن لا نريد عذاب الاستئصال بهذه الأمة، فلهذا السبب ما أنزلنا الملائكة، وأما إن كان المراد من قوله تعالى: * (لو ما تأتينا بالملائكة) * استعجالهم في نزول العذاب الذي كان الرسول عليه السلام يتوعدهم به، فتقرير الجواب أن الملائكة لا تنزل إلا بعذاب الاستئصال، وحكمنا في أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن لا نفعل بهم ذلك، وأن نمهلهم لما علمنا من إيمان بعضهم، ومن إيمان أولاد الباقين.
المسألة الثانية: قال الفراء والزجاج: لولا ولو ما لغتان: معناهما: هلا ويستعملان في الخبر والاستفهام، فالخبر مثل قولك لولا أنت لفعلت كذا، ومنه قوله تعالى: * (لولا أنتم لكنا مؤمنين) * (سبأ: 31) والاستفهام كقولهم: * (لولا أنزل عليه ملك) * (الأنعام: 8) وكهذه الآية. وقال الفراء: لو ما الميم فيه بدل عن اللام في لولا، ومثله استولى على الشيء واستومى عليه، وحكى الأصمعي: خاللته وخالمته إذا صادقته، وهو خلى وخلمي أي صديقي.
المسألة الثالثة: قوله: * (ما ننزل الملائكة إلا بالحق) * قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم: * (ما ننزل) * بالنون وبكسر الزاي والتشديد، والملائكة بالنصب لوقوع الإنزال عليها. والمنزل هو الله تعالى، وقرأ أبو بكر عن عاصم: * (ما تنزل) * عن فعل ما لم يسمى فاعله، والملائكة بالرفع. والباقون: ما تنزل الملائكة على إسناد فعل النزول إلى الملائكة والله أعلم.
المسألة الرابعة: قوله: * (وما كانوا إذا منظرين) * يعني: لو نزلت الملائكة لم ينظروا أي يمهلوا فإن التكليف يزول عند نزول الملائكة. قال صاحب " النظم ": لفظ اذن مركبة من كلمتين: من إذا وهو اسم بمنزلة حين ألا ترى أنك تقول: أتيتك إذ جئتني أي حين جئتني. ثم ضم إليها أن، فصار إذ أن. ثم استثقلوا الهمزة، فحذفوها فصار إذن، ومجئ لفظة إذن دليل على اضمار فعل بعدها والتقدير: وما كانوا منظرين إذ كان ما طلبوا وهذا تأويل حسن.