والقول الثاني: أن كاد للمقاربة فقول: * (لا يكاد) * لنفي المقاربة يعني: ولم يقارب أن يسيغه فكيف يحصل الإساغة كقوله تعالى: * (لم يكد يراها) * (النور: 40) أي لم يقرب من رؤيتها فكيف يراها.
فإن قيل: فقد ذكرتم الدليل على حصول الإساغة، فكيف الجمع بينه وبين هذا الوجه.
قلنا عنه جوابان: أحدهما: أن المعنى: لا يسيغ جميعه كأنه يجرع البعض وما ساغ الجميع. الثاني: أن الدليل الذي ذكرتم إنما دل على وصول بعض ذلك الشراب إلى جوف الكافر، إلا أن ذلك ليس بإساغة، لأن الإساغة في اللغة إجراء الشراب في الحلق بقبول النفس واستطابة المشروب والكافر يتجرع ذلك الشراب على كراهية ولا يسيغه، أي لا يستطيبه ولا يشربه شربا بمرة واحدة وعلى هذين الوجهين يصح حمل لا يكاد على نفي المقاربة والله أعلم.
النوع الثالث: مما ذكره الله تعالى في وعيد هذا الكافر قوله: * (ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت) * (إبراهيم: 17) والمعنى: أن موجبات الموت أحاطت به من جميع الجهات، ومع ذلك فإنه لا يموت وقيل من كل جزء من أجزاء جسده.
النوع الرابع: قوله: * (ومن ورائه عذاب غليظ) * وفيه وجهان: الأول: أن المراد من العذاب الغليظ كونه دائما غير منقطع. الثاني: أنه في كل وقت يستقبله يتلقى عذابا أشد مما قبله. قال المفضل: هو قطع الأنفاس وحبسها في الأجساد، والله أعلم.
* (مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شىء ذلك هو الضلال البعيد * ألم تر أن الله خلق السماوات والأرض بالحق إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد * وما ذلك على الله بعزيز) * اعلم أنه تعالى لما ذكر أنواع عذابهم في الآية المتقدمة بين في هذه الآية أن أعمالهم بأسرها تصير ضائعة باطلة لا ينتفعون بشيء منها وعند هذا يظهر كمال خسرانهم لأنهم لا يجدون في القيامة