مثل الجنة التي وعد المتقون تجرى من تحتها الانهار أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار (35) فبالقتل، والقتال، واللعن، والذم، والإهانة، وهل يدخل المصائب والأمراض في ذلك أم لا؟
اختلفوا فيه، قال بعضهم: إنها تدخل فيه، وقال بعضه: إنها لا تكون عقابا، لان كل أحد نزلت به مصيبة فإنه مأمور بالصبر عليها، ولو كا عقابا لم يجب ذلك، فالمراد على هذا القول:
من الآية القتل، والسبي، واغتنام الأموال، واللعن، وإنما قال (ولعذاب الآخرة أشق) لأنه أزيد إن شئت بسبب القوة والشدة، وإن شئت بسبب كثرة الأنواع، وإن شئت بسبب أنه لا يختلط بها شئ من موجبات الراحة، وإن شئت بسبب الدوام وعدم الانقطاع، ثم بين بقوله (وما لهم من الله من واق) أي أن أحد لا يقيهم ما نزل بهم من عذاب الله. قال الواحدي: أكثر القراء وقفوا على القاف من غير إثبات ياء في قوله (واق) وكذلك في قوله (ومن يضلل الله فما له من هاد) وكذلك في قوله (وال) وهو الوجه لأنك تقول في الوصل: هذا هاد. ووال. وواق، فتحذف الياء لسكونها والتقائها مع التنوين، فإذا وقفت انحذف التنوين في الوقف في الرفع والجر، والياء كانت انحذفت فيصادف الوقف الحركة التي هي كسرة في غير فاعل فتحذفها كما تحذف سائر الحركات التي تقف عليها فيصير هاد. ووال. وواق. وكان ابن كثير يقف الياء في هادي. ووالى. وواقى. ووجهه ما حكى سيبويه أن بعض من يوثق به من العرب يقول: هذا داعي فيقفون بالياء.
قوله تعالى (مثل الجنة التي وعد المتقون تجرى من تحتها الانهار أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار) وفى الآية مسائل:
(المسألة الأولى) اعلم أنه تعالى لما ذكر عذاب الكفار في الدنيا والآخرة، أتبعه بذكر ثواب المتقين وفى قوله (مثل الجنة) أقوال: الأول: قال سيبويه (مثل الجنة) مبتدأ وخبره محذوف والتقدير: فيما قصصنا عليكم مثل الجنة. والثاني: قال الزجاج: مثل الجنة جنة من صفتها كذا وكذا. والثالث: مثل الجنة مبتدأ وخبره تجرى من تحتها الانهار، كما تقول صفة زيد اسم.
والرابع: الخبر هو قوله (أكلها دائم) لأنه الخارج عن العادة كأنه قال (مثل الجنة التي وعد المتقون تجرى من تحتها الانهار) كما تعلمون من حال جناتكم إلا أن هذه أكلها دائم.