واختلف الناس في أنه كيف صار الإقبال على هذه الطاعات سببا لزوال ضيق القلب والحزن؟ فقال العارفون المحققون إذا اشتغل الإنسان بهذه الأنواع من العبادات انكشفت له أضواء عالم الربوبية، ومتى حصل ذلك الإنكشاف صارت الدنيا بالكلية حقيرة، وإذا صارت حقيرة خف على القلب فقدانها ووجدانها فلا يستوحش من فقدانها ولا يستريح بوجدانها، وعند ذلك يزول الحزن والغم. وقالت المعتزلة: من اعتقد تنزيه الله تعالى عن القبائح سهل عليه تحمل المشاق، فإنه يعلم أنه عدل منزه عن إنزال المشاق به من غير غرض ولا فائدة فحينئذ يطيب قلبه، وقال أهل السنة: إذا نزل بالعبد بعض المكاره فزع إلى الطاعات كأنه يقول: تجب على عبادتك سواء أعطيتني الخيرات أو ألقيتني في المكروهات، وقوله: * (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) * قال ابن عباس رضي الله عنهما: يريد الموت وسمي الموت باليقين لأنه أمر متيقن.
فإن قيل: فأن فائدة لهذا التوقيت مع أن كل أحد يعلم أنه إذا مات سقطت عنه العبادات؟
قلنا: المراد منه: * (واعبد ربك) * في زمان حياتك ولا تخل لحظة من لحظات الحياة عن هذه العبادة، والله أعلم.