* (والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بمآ أنزل إليك ومن الاحزاب من ينكر بعضه قل إنمآ أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به إليه أدعو وإليه مآب) * المسألة الثانية: اعلم أنه تعالى وصف الجنة بصفات ثلاث: أولها: تجري من تحتها الأنهار. وثانيها: أن أكلها دائم. والمعنى: أن جنات الدنيا لا يدوم ورقها وثمرها ومنافعها. أما جنات الآخرة فثمارها دائمة غير منقطعة. وثالثها: أن ظلها دائم أيضا، والمراد أنه ليس هناك حر ولا برد ولا شمس ولا قمر ولا ظلمة ونظيره قوله تعالى: * (لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا) * (الإنسان: 13) ثم إنه تعالى لما وصف الجنة بهذه الصفات الثلاثة بين أن ذلك عقبى الذين اتقوا يعني عاقبة أهل التقوى هي الجنة، وعاقبة الكافرين النار. وحاصل الكلام من هذه الآية أن ثواب المتقين منافع خالصة عن الشوائب موصوفة بصفة الدوام.
واعلم أن قوله: * (أكلها دائم) * فيه مسائل ثلاث:
المسألة الأولى: أنه يدل على أن أكل الجنة لا تفنى كما يحكى عن جهم وأتباعه.
المسألة الثانية: أنه يدل على أن حركات أهل الجنة لا تنتهي إلى سكون دائم، كما يقوله أبو الهذيل وأتباعه.
المسألة الثالثة: قال القاضي: هذه الآية تدل على أن الجنة لم تخلق بعد، لأنها لو كانت مخلوقة لوجب أن تفنى وأن ينقطع أكلها لقوله تعالى: * (كل من عليها فان) * (الرحمن: 26). و * (كل شيء هالك إلا وجهه) * (القصص: 88) لكن لا ينقطع أكلها لقوله تعالى: * (أكلها دائم) * فوجب أن لا تكون الجنة مخلوقة. ثم قال: فلا ننكر أن يحصل الآن في السماوات جنات كثيرة يتمتع بها الملائكة ومن يعد حيا من الأنبياء والشهداء وغيرهم على ما روي في ذلك، إلا أن الذي نذهب إليه أن جنة الخلد خاصة إنما تخلق بعد الإعادة.
والجواب: أن دليلهم مركب من آيتين: أحدهما: قوله: * (كل شيء هالك إلا وجهه) * والأخرى قوله: * (أكلها دائم وظلها) * فإذا أدخلنا التخصيص في أحد هذين العمومين سقط دليلهم فنحن نخصص أحد هذين العمومين بالدلائل الدالة على أن الجنة مخلوقة، وهو قوله تعالى: * (وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين) * (آل عمران: 133).
قوله تعالى * (والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بمآ أنزل إليك ومن الاحزاب من ينكر بعضه قل إنمآ أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به إليه أدعو وإليه مآب) *