فنقول: تأثير زيادة المشقة إنما هو في كثرة الثواب على أحد التقديرين، وفي الإلقاء في العذاب الشديد على التقدير الثاني وهو التقدير الأكثر الأغلب، وكل من يراعي المصالح، فإن رعاية هذا التقدير الثاني أولى عنده من رعاية التقدير الأول لأن دفع الضرر العظيم أولى من السعي في طلب النفع الزائد الذي لا حاجة إلى حصوله أصلا، ولما اندفع هذان الجوابان عن هذا السؤال قويت سائر الوجوه المذكورة، وأما قوله: المراد من قوله: * (رب بما أغويتني) * الخيبة عن الرحمة أو الإضلال عن طريق الجنة فنقول: كل هذا بعيد، لأنه هو الذي خيب نفسه عن الرحمة وهو الذي أضل نفسه عن طريق الجنة، لأنه لما أقدم على الكفر باختياره فقد خيب نفسه عن الرحمة، وأضل نفسه عن طريق الجنة فكيف يحسن إضافته إلى الله تعالى فثبت أن الإشكالات لازمة وأن أجوبتهم ضعيفة. والله أعلم.
وأما قوله: * (إلا عبادك منهم المخلصين) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أن إبليس استثنى المخلصين، لأنه علم أن كيده لا يعمل فيهم، ولا يقبلون منه، وذكرت في مجلس التذكير أن الذي حمل إبليس على ذكر هذا الاستثناء أن لا يصير كاذبا في دعواه فلما احترز إبليس عن الكذب علمنا أن الكذب في غاية الخساسة.
المسألة الثانية: قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو: * (المخلصين) * بكسر اللام في كل القرآن، والباقون بفتح اللام. وجه القراءة الأولى أنهم الذين أخلصوا دينهم وعبادتهم عن كل شائب يناقض الإيمان والتوحيد، ومن فتح اللام فمعناه: الذين أخلصهم الله بالهداية والإيمان، والتوفيق، والعصمة، وهذه القراءة تدل على أن الإخلاص والإيمان ليس إلا من الله تعالى. المسألة الثالثة: الإخلاص جعل الشيء خالصا عن شائبة الغير فنقول: كل من أتى بعمل فإما أن يكون قد أتى به لله فقط أو لغير الله فقط، أو لمجموع الأمرين، وعلى هذا التقدير الثالث فإما أن يكون طلب رضوان الله راجحا أو مرجوحا أو معادلا، والتقدير الرابع أن يأتي به لا لغرض أصلا وهذا محال، لأن الفعل بدون الداعية محال.
أما الأول: فهو الإخلاص في حق الله تعالى، لأن الحامل له على ذلك الفعل طلب رضوان الله، وما جعل هذه الداعية مشوبة بداعية أخرى بل بقيت خالصة عن شوائب الغير، فهذا هو الإخلاص.
وأما الثاني: وهو الإخلاص في حق غير الله، فظاهر أن هذا لا يكون إخلاصا في حق الله تعالى.