واعلم أنه تعالى لما ذكر أنه أمر موسى عليه السلام بأن يذكرهم بأيام الله تعالى، حكى عن موسى عليه السلام أنه ذكرهم بها فقال: * (وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب) * فقوله: * (إذ أنجاكم) * ظرف للنعمة بمعنى الأنعام، أي اذكروا إنعام الله عليكم في ذلك الوقت. بقي في الآية سؤالات:
السؤال الأول: ذكر في سورة البقرة: * (يذبحون) * (البقرة: 49) وفي سورة الأعراف: * (يقتلون) * (الأعراف: 41) وههنا * (ويذبحون) * مع الواو فما الفرق؟
والجواب: قال تعالى في سورة البقرة: * (يذبحون) * بغير واو لأنه تفسير لقوله: * (سوء العذاب) * وفي التفسير لا يحسن ذكر الواو تقول: أتاني القوم زيد وعمرو. لأنك أردت أن تفسر القوم بهما ومثله قوله تعالى: * (ومن يفعل ذلك يلق آثاما يضاعف له العذاب) * (الفرقان: 68، 69) فالآثام لما صار مفسرا بمضاعفة العذاب لا جرم حذف عنه الواو، أما في هذه السورة فقد أدخل الواو فيه، لأن المعنى أنهم يعذبونهم بغير التذبيح وبالتذبيح أيضا فقوله: * (ويذبحون) * نوع آخر من العذاب لا أنه تفسير لما قبله.
السؤال الثاني: كيف كان فعل آل فرعون بلاء من ربهم؟
والجواب من وجهين: أحدهما: أن تمكين الله إياهم حتى فعلوا ما فعلوا كان بلاء من الله. والثاني: وهو أن ذلك إشارة إلى الإنجاء، وهو بلاء عظيم، والبلاء هو الابتلاء، وذلك قد يكون بالنعمة تارة، وبالمحنة أخرى، قال تعالى: * (ونبلوكم بالشر والخير فتنة) * (الأنبياء: 35) وهذا الوجه أولى لأنه يوافق صدر الآية وهو قوله تعالى: * (وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم) *.
السؤال الثالث: هب أن تذبيح الأبناء كان بلاء، أما استحياء النساء كيف يكون بلاء.
الجواب: كانوا يستخدمونهن بالاستحياء في الخلاص منه نعمة، وأيضا إبقاؤهن منفردات عن الرجال فيه أعظم المضار.
* (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابى لشديد) * اعلم أن قوله: * (وإذ تأذن ربكم) * من جملة ما قال موسى لقومه كأنه قيل: وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم واذكروا حين تأذن ربكم، ومعنى * (تأذن) * أذن ربكم. ونظير تأذن وآذن توعد وأوعد وتفضل وأفضل، ولا بد في تفعل من زيادة معنى ليس في أفعل، كأنه قيل: وإذ آذن ربكم إيذانا بليغا ينتفي عنده الشكوك، وتنزاح الشبهة، والمعنى: وإذ تأذن ربكم. فقال: * (لئن شكرتم) *