في الأرض رواسي أن تميد بكم) * (النحل: 15) وفي تفسيره وجهان:
الوجه الأول: قال ابن عباس: لما بسط الله تعالى الأرض على الماء مالت بأهلها كالسفينة فأرساها الله تعالى بالجبال الثقال لكيلا تميل بأهلها.
فإن قيل: أتقولون إنه تعالى خلق الأرض بدون الجبال فمالت بأهلها فخلق فيها الجبال بعد ذلك أو تقولون إن الله خلق الأرض والجبال معا.
قلنا: كلا الوجهين محتمل.
والوجه الثاني: في تفسير قوله: * (وألقينا فيها رواسي) * يجوز أن يكون المراد أنه تعالى خلقها لتكون دلالة للناس على طرق الأرض ونواحيها لأنها كالأعلام فلا تميل الناس عن الجادة المستقيمة ولا يقعون في الضلال وهذا الوجه ظاهر الاحتمال.
النوع الثالث: من الدلائل المذكورة في هذه الآية قوله تعالى: * (وأنبتنا فيها من كل شيء موزون) * وفيه بحثان:
البحث الأول: أن الضمير في قوله: * (وأنبتنا فيها) * يحتمل أن يكون راجعا إلى الأرض وأن يكون راجعا إلى الجبال الرواسي، إلا أن رجوعه إلى الأرض أولى لأن أنواع النبات المنتفع بها إنما تتولد في الأراضي، فأما الفواكه الجبلية فقليلة النفع، ومنهم من قال: رجوع ذلك الضمير إلى الجبال أولى، لأن المعادن إنما تتولد في الجبال، والأشياء الموزونة في العرف والعادة هي المعادن لا النبات.
البحث الثاني: اختلفوا في المراد بالموزون وفيه وجوه:
الوجه الأول: أن يكون المراد أنه متقدر بقدر الحاجة. قال القاضي: وهذا الوجه أقرب لأنه تعالى يعلم المقدار الذي يحتاج إليه الناس وينتفعون به فينبت تعالى في الأرض ذلك المقدار، ولذلك أتبعه بقوله: * (وجعلنا لكم فيها معايش) * لأن ذلك الرزق الذي يظهر بالنبات يكون معيشة لهم من وجهين: الأول: بحسب الأكل والانتفاع بعينه. والثاني: أن ينتفع بالتجارة فيه، والقائلون بهذا القول قالوا: الوزن إنما يراد لمعرفة المقدار فكان إطلاق لفظ الوزن لإرادة معرفة المقدار من باب اطلاق اسم السبب على المسبب قالوا: ويتأكد ذلك أيضا بقوله تعالى: * (وكل شيء عنده بمقدار) * (الرعد: 8) وقوله: * (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم) * (الحجر: 21).
والوجه الثاني: في تفسير هذا اللفظ أن هذا العالم عالم الأسباب والله تعالى إنما يخلق المعادن والنبات والحيوان بواسطة تركيب طبائع هذا العالم، فلا بد وأن يحصل من الأرض قدر مخصوص