يحفظ منازلنا عن متجسس يخشى منه الفساد ثم نقول: معنى الرجم في اللغة الرمي بالحجارة. ثم قيل للقتيل رجم تشبيها له بالرجم بالحجارة، والرجم أيضا السب والشتم لأنه رمي بالقول القبيح ومنه قوله: * (لأرجمنك) * أي لأسبنك، والرجم اسم لكل ما يرمى به، ومنه قوله: * (وجعلناها رجوما للشياطين) * (الملك: 5) أي مرامي لهم، والرجم القول بالظن، ومنه قوله: * (رجما بالغيب) * (الكهف: 22) لأنه يرميه بذلك الظن والرجم أيضا اللعن والطرد، وقوله الشيطان الرجيم، قد فسروه بكل هذه الوجوه. قال ابن عباس رضي الله عنهما: كانت الشياطين لا تحجب عن السماوات، فكانوا يدخلونها ويسمعون أخبار الغيوب من الملائكة فيلقونها إلى الكهنة، فلما ولد عيسى عليه السلام منعوا من ثلاثة سماوات، فلما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم منعوا من السماوات كلها، فكل واحد منهم إذا أراد استراق السمع رمى بشهاب. وقوله: * (إلا من استرق السمع) * لا يمكن حمل لفظة * (إلا) * ههنا على الاستثناء، بدليل أن إقدامهم على استراق السمع لا يخرج السماء من أن تكون محفوظة منهم إلا أنهم ممنوعون من دخولها، وإنما يحاولون القرب منها، فلا يصح أن يكون استثناء على التحقيق، فوجب أن يكون معناه: لكن من استرق السمع. قال الزجاج: موضع * (من) * نصب على هذا التقدير. قال: وجائز أن يكون في موضع خفض، والتقدير: إلا ممن. قال ابن عباس: في قوله: * (إلا من استرق السمع) * يريد الخطفة اليسيرة، وذلك لأن المارد من الشياطين يعلو فيرمى بالشهاب فيحرقه ولا يقتله، ومنهم من يحيله فيصير غولا يضل الناس في البراري. وقوله: * (فأتبعه) * ذكرنا معناه في سورة الأعراف في قصة بلعم بن باعورا في قوله: * (فأتبعه الشيطان) * (الأعراف: 175) معناه لحقه، والشهاب شعلة نار ساطع، ثم يسمى الكواكب شهابا، والسنان شهابا لأجل أنهما لما فيهما من البريق يشبهان النار.
واعلم أن في هذا الموضع أبحاثا دقيقة ذكرناها في سورة الملك وفي سورة الجن، ونذكر منها ههنا إشكالا واحدا، وهو أن لقائل أن يقول: إذا جوزتم في الجملة أن يصعد الشيطان إلى السماوات ويختلط بالملائكة ويسمع أخبار الغيوب عنهم، ثم إنها تنزل وتلقي تلك الغيوب على الكهنة فعلى هذا التقدير وجب أن يخرج الأخبار عن المغيبات عن كونه معجزا لأن كل غيب يخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم قام فيه هذا الاحتمال وحينئذ يخرج عن كونه معجزا دليلا على الصدق، لا يقال إن الله تعالى أخبر أنهم عجزوا عن ذلك بعد مولد النبي صلى الله عليه وسلم لأنا نقول هذا العجز لا يمكن إثباته إلا بعد القطع بكون محمد رسولا وكون القرآن حقا، والقطع بهذا لا يمكن إلا بواسطة المعجز، وكون الإخبار عن الغيب معجزا لا يثبت إلا بعد إبطال هذا الاحتمال وحينئذ يلزم الدور وهو باطل محال، ويمكن أن يجاب عنه بأنا نثبت كون محمد صلى الله عليه وسلم