قوله تعالى: * (والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع) * (النور: 45). والثاني: أنه تعالى أثبت لجميع الدواب رزقا على الله حيث قال: * (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها) * (هود: 6) فكأنها عند الحاجة تطلب أرزاقها من خالقها فصارت شبيهة بمن يعقل من هذه الجهة، فلم يبعد ذكرها بصيغة من يعقل، ألا ترى أنه قال: * (يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم) * (النحل: 18) فذكرها بصيغة جمع العقلاء، وقال في الأصنام: * (فإنهم عدو لي) * (الشعراء: 77) وقال: * (كل في فلك يسبحون) * (الأنبياء: 33) فكذا ههنا لا يبعد إطلاق اللفظة المختصة بالعقلاء على الوحش والطير لكونها شبيهة بالعقلاء من هذه الجهة وسمعت في بطن الحكايات أنه قلت المياه في الأودية والجبال واشتد الحر في عام من الأعوام فحكى عن بعضهم أنه رأى بعض الوحش رافعا رأسه إلى السماء عند اشتداد عطشه قال: فرأيت الغيوم قد أقبلت وأمطرت بحيث امتلأت الأودية منها.
والاحتمال الثالث: أنا نحمل قوله: * (ومن لستم له برازقين) * على الإماء والعبيد، وعلى الوحش والطير، وإنما أطلق عليها صيغة من تغليبا لجانب العقلاء على غيرهم.
المسألة الثانية: قوله: * (ومن لستم له برازقين) * لا يجوز أن يكون مجرورا عطفا على الضمير المجرور في لكم، لأنه لا يعطف على الضمير المجرور، لا يقال أخذت منك وزيد إلا بإعادة الخافض كقوله تعالى: * (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح) * (الأحزاب: 7).
واعلم أن هذا المعنى جائز على قراءة من قرأ: * (تساءلون به والأرحام) * (النساء: 1) بالخفض وقد ذكرنا هذه المسألة هنالك. والله أعلم.
* (وإن من شىء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم * وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السمآء ماء فأسقيناكموه ومآ أنتم له بخازنين) * اعلم أنه تعالى لما بين أنه أنبت في الأرض كل شيء موزون وجعل فيها معايش أتبعه بذكر ما هو كالسبب لذلك فقال: * (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه) *.
وهذا هو النوع الرابع من الدلائل المذكورة في هذه السورة على تقرير التوحيد، وفي الآية مسائل: