ويقال: الموت من وراء الإنسان. الثاني: قال ابن الأنباري " وراء " بمعنى بعد. قال الشاعر: وليس وراء الله للمرء مذهب أي وليس بعد الله مذهب.
إذا ثبت هذا فنقول: إنه تعالى حكم عليه بالخيبة في قوله: * (وخاب كل جبار عنيد) *.
ثم قال: * (ومن ورائه جهنم) * أي ومن بعده الخيبة يدخل جهنم.
النوع الثاني: مما ذكره الله تعالى من أحوال هذا الكافر قوله: * (ويسقى من ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه) * وفيه سؤالات:
السؤال الأول: علام عطف * (ويسقى) *.
الجواب: على محذوف تقديره: من ورائه جهنم يلقى فيها ويسقى من ماء صديد.
السؤال الثاني: عذاب أهل النار من وجوه كثيرة، فلم خص هذه الحالة بالذكر؟
الجواب: يشبه أن تكون هذه الحالة أشد أنواع العذاب فخصص بالذكر مع قوله: * (ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت) *.
السؤال الثالث: ما وجه قوله: * (من ماء صديد) *.
الجواب: أنه عطف بيان والتقدير: أنه لما قال: * (ويسقى من ماء) * فكأنه قيل: وما ذلك الماء فقال: * (صديد) * والصديد ما يسيل جلود أهل النار. وقيل: التقدير ويسقى من ماء كالصديد. وذلك بأن يخلق الله تعالى في جهنم ما يشبه الصديد في النتن والغلظ والقذارة، وهو أيضا يكون في نفسه صديدا، لأن كراهته تصد عن تناوله وهو كقوله: * (وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم) * (محمد: 15). * (وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب) * (الكهف: 29).
السؤال الرابع: ما معنى يتجرعه ولا يكاد يسيغه.
الجواب: التجرع تناول المشروب جرعة جرعة على الاستمرار، ويقال: ساغ الشراب في الحلق يسوغ سوغا وأساغه إساغة. واعلم أن (يكاد) فيه قولان:
القول الأول: أن نفيه إثبات، وإثباته نفي، فقوله: * (ولا يكاد يسيغه) * أي ويسيغه بعد إبطاء لأن العرب تقول: ما كدت أقوم، أي قمت بعد إبطاء قال تعالى: * (فذبحوها وما كادوا يفعلون) * (البقرة: 7) يعني فعلوا بعد إبطاء، والدليل على حصول الإساغة قوله تعالى: * (يصهر به ما في بطونهم والجلود) * (الحج: 20) ولا يحصل الصهر إلا بعد الإساغة، وأيضا فإن قوله: * (يتجرعه) * يدل على أنهم أساغوا الشيء بعد الشيء فكيف يصح أن يقال بعده إنه يسيغه البتة.